أتذَرُ موسى : اتتركه نستحْيِ : نستبقي نساءهم أحياء.
بعد ان شاهد فرعون وقومه ما شاهدوا، من ظهور موسى وغلبتِه وايمان السحرة به، قال الاشراف الكبراء من القوم، يا فرعون الجبار، هل تترك موسى وقومه احرارا آمنين؟ إنَّ عاقبتهم إن ظلّوا في هذه الديار ان يفسدوا عليك قومك بادخالهم في دينهم، وعندئذ يظهر لأهل مصر عجزُك وعجز آلهتك.
قال فرعون مجيبا للملأ : سنتقل أبناء قوم موسى كلّما تناسلوا، ونستبقى نساءهم أحياء، فهن يخدمننا. بذلك لا يكون لهم قوة، ﴿ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ نقرهم بالغلبة والسلطان. سنظل معهم كما كنا من قبل، فلا يقدرون على أذانا، ولا الافساد في أرضنا.
ولما رأى موسى أثر الخوف والجزع في نفوس قومه، شدّ من عزمهم وطمأنهم، فقال لهم : أُطلبوا معونة الله وتأييدَه، واصبِروا ولا تجزعوا. إن الأرض في قَبضة الله، يجلعها ميراثاً لمن يشاء من عباده، لا لفرعون. والعاقبةُ الحسنة للّذين يقون الله، بالاعتصام به، والاستمساك بأحكامه.
لكن هذه الوصية وتلك النصائح لم يؤثّر لم تؤثّر في قلوبهم، ففزعوا من فرعون وقومه، ﴿ قالوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ﴾ لقد نالَنا الأذى يا موسى، قبل مجيئك وبعده.
وكانوا قبل مجيء موسى مستضعَفين في يد فرعون، يرهقهم بالضرائب، ويتخدمهم في القيام بالاعمال الشاقة، ويقتل ابناءهم ويتسحيي نساءهم ثم جاء موسة، لكنه لم يستطع انقاذهم لذلك قالوا :﴿ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ﴾.
عندئذٍ فتح لهم موسى باب الأمل وقال لهم :
﴿ قَالَ عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ﴾.
إن رجائي من فضلِ الله ان يُهلك عدوّكم الذي ظلمكم وآذاكم، ويجعلَكم خلفاءَ في الأرض التي وعدكم إياها، ﴿ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ﴾.
فيعلم سبحاه ما أنتم عاملون بعد هذا التمكين : أتشكرون النعمةَ ام تكفرون؟ وتصلحون في الارض أم تفسدون؟.