المعشر : النفر والقوم. الرهط : الجمع من الرجال. استكثر الشيءَ : اخذ منه الكثير اولياؤهم : الذين تولوهم اي اطاعوهم في وسوستهم. الاستمتاع بالشيء : الانتفاع به طويلا. بلغنا اجلنا : وصلنا يوم البعث والجزاء. المثوى : مكان الاقامة. الخلود : المكث الطويل غير المحدود.
في الآيات السابقة بين الله حال الذين سلكوا صراطه المستقيم، وان الله شرح صدورهم، وجزاؤهم الجنّة، فهم في كفالة ربهم ناعمون. وهنا يعرض سبحانه وتعالى حالَ الذين سلكوا طريق الشيطان. وهو يعرض يوم الحشر في القيامة وما فيه من هول، في مشهد حيّ حافل بالحوار، فيقول :
﴿ وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَامَعْشَرَ الجن قَدِ استكثرتم... ﴾.
يوم يحشر الله تعالى الخلق جميعا من إنس وجنّ، ويقول جل جلالُه : يا معشر الجن، قد أكثرتُم من إغراء الانس حتى تَبعكم منهم عدد كثير. فيقول الذين اتّبعوهم من الانس ﴿ رَبَّنَا استمتع بَعْضُنَا بِبَعْضٍ ﴾ ربنا، لقد انتفع بعضُنا ببعض، واستمتعنا بالشهوات، وبما كان لنا في طاعتهم ووسوستهم من اللذّة والانغماس في الشهوات، ﴿ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا الذي أَجَّلْتَ لَنَا ﴾ ثم إننا قد وصلنا الى الأجل الذي حدّدته لنا، وهو يوم البعث والجزاء، وقد اعترفنا بذنوبنا فاحكُم فينا بما تشاء.
وما هذا الاعتراف الا من نوع الحسرة والندامة على ما كان منهم من التفريط في الدنيا.
فيقول جل جلاله :
﴿ قَالَ النار مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ الله ﴾.
ان النار منزلكم ومقركم خالدين فيها الا ما شاء الله ان ينقذهم، فكل شيء بمشيئته واختياره، فله السلطان الكامل، ﴿ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ ﴾ وهو حكيم فيما يفعل ويختار، عليم بما يستحقه كل من الفريقين.
وفي قوله تعالى ﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ الله ﴾ فسحةٌ كبيرة وبشرى عظيمة بسعةِ حلمه ورحمته، انه غفور رحيم.
﴿ وكذلك نُوَلِّي بَعْضَ الظالمين بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾.
ومثلُ ذلك الذي ذُكر من استمتاع اولياء الانس والجن بعضهم ببعض، نولي بعض الظالمين بعضاً بسبب ما كانوا يكسِبون من الكبائر والجرائم.
روى ابو الشيخ عن منصور بن أبي الأسود قال : سألت الاعمش عن قوله تعالى ﴿ وكذلك نُوَلِّي بَعْضَ الظالمين بَعْضاً ﴾ قال : معناه كما سمعتُ من اشياخي :« اذا فسد الناس أُمِّرَ عليهم شِرارهم. وذلك ان الحكّام يتصترفون في الأمم الجاهلة الضالّة تَصَرُّفَ رعاة السوءِ في الأنعام السائمة ».
ولذلك تفرَّد الاسلام بوضع هذا الدستورالعظيم، جعل أمر الأُمة بين أهل الحلّ والعقد، وأمَر الرسولَ بالمشاروة، لئلا يتفرّد بالحكم طاغية يتحلل من الرقابة.
وانما يولّي الله الناسَ بأعمالهم، فالمؤمن وليُّ المؤمن من اين كان وحيثما كان، والكافر وليُّ الكافر من اين كان وحيثما كان. وهذا ما نشاهده الآن من تجمُّع اولياء الشياطين من الكفار من صليبيّين وصهيونيين وغيرهم.


الصفحة التالية
Icon