وروى محمد بن اسحاق انه لما انصرف الاحزاب قال رسول الله ﷺ :« لن تغزوكم قريشُ بعدَ عامِكم هذا، ولكنكم تغزونهم » وقد تحقق هذا ونصر الله رسولَه والمؤمنين الى ان فتح عليهم مكة.
﴿ وَأَنزَلَ الذين ظَاهَرُوهُم مِّنْ أَهْلِ الكتاب مِن صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرعب فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً ﴾.
انتهت المعركة مع الأحزاب من قريش وحلفائها وردّهم الله خائبين، لكنّها لم تنتهِ مع اليهود من بني قريظة، الذين نقضوا العهد مع رسول الله والمؤمنين. وكان الرسول لما قَدِم المدينة، كتبَ كتاباً بين المهاجرين والانصار وادَعَ فيه اليهودَ وعاهدَهم، وأقرّهم على دينهم وأموالهم، وشَرَطَ لهم واشترط عليهم، وجاء فيه :« انه من تَبِعنا من يهودَ فان له النصرة والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم، ان اليهود يتفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وان قبائلَ يهودَ أثمة مع المؤمنين. لليهود دينُهم، وللمسلمين دينهم ومواليهم وأنفسهم.... وان بينهم النصرَ على ما حارب أهل هذه الصحيفة وان بينهم النُّصحَ والنصيحة، والبِرّ دون الاثم، وان بينهم النصرَ على من دهم يثرب. ».
والعهدُ طويلٌ موجود في سيرة ابن هشام وعدد من المراجع.
ولكن اليهودَ، هم اليهود في كل زمان ومكان، فقد نقضوا العهد واتفقوا مع قريش والأحزابِ على أن يهجُموا على المدينة من خلْفِ المسلمين. ولما علم رسول الله بذلك بعث سعدَ بن مُعاذ، وسعدَ بن عبادة - في رجالٍ من الانصار ليتحققوا الخبر. فوجدوهم على شرّ ما بلَغَهم عنهم، ونالوا من رسول الله ﷺ وقالوا : من رسولُ الله؟ لا عهدَ بيننا وبين محمد ولا عقد.
وهكذا حاولوا طعنَ المسلمين من الخلق، ولكنّ الله خيبّهم، إذ أنهم اختلفوا مع قريش وتحصنوا في حصونهم ولم يحاربوا.
فلما انصرف الرسولُ الكريم والمسلمون من الخندق راجعين الى المدينة - أمَرَ الرسول مؤذنا فأذن في الناس : إن من كان سمعاً مطيعاً فلا يصلِّيَنَّ العصرَ الا في بني قريظة.
ونزل رسول الله ببني قريظة فحاصرَهَم خمساً وعشرين ليلة حتى تعبوا وجَهَدهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعبَ، ونزلوا على حُكم سعد بن معاذ حَليفِهم. فحكم فيهم ان تُقتل الرجال، وتقسَم الأموال، وتسبى الذراري والنساءن لأنهم لو نَفَّذوا عهدهم مع قريشٍ لقضَوا على المسلمين واستأصلوهم، ولكن الله سلّم ونَصَرَ المسلمين ﴿ وَكَانَ الله قَوِيّاً عَزِيزاً ﴾. وقد توفي سعدُ بن عاذ شهيد من سهم أصابه في ذراعه رضي الله عنه.
﴿ وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَّمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً ﴾
وأورثكم الله ايها المؤمنون ارض اليهود وحصونهم وديارهم واموالهم التي ادّخروها، وموارعهم. وقد قسمها الرسول الكريم بين المسلمين، واخر الخمس لرسول الله يصرفه في سبيل الله وأرضاً لم تطئها : خيبر ومكة، وكل ما لم يُفتح بعد..


الصفحة التالية
Icon