ان تنصروا الله تنصروا دينه. يثبِّت أقدامكم : ينصركم ويوفقكم. تعساً لهم : هلاكاً لهم. أحبطَ اعمالهم : أبطلها. دمر عليهم : أهلكهم، يقال دمر القوم ودمر عليهم : أهلكهم. وللكافرين امثالُها : للكافرين امثالُ عاقبة الذين دمرهم الله. نولى الذين آمنوا : ناصرهم. وأن الكافرين لا مولى لهم : لا ناصر لهم. والنار مثوى لهم : مقرٌّ لهم. من قريتك : من مكة.
يا ايها الذين آمنوا إن تنصروا الله ( وذلك بنصرِ شريعته، والقيام بحقوق الاسلام، والسيرِ على منهاجه القويم ) ينصركم الله على عدوّكم. وهذا وعدٌ صادق من الله تعالى، وقد انجزه للمؤمنين الصادقين من اسلافنا. فنحن مطالَبون الآن بنصر دين الله والسير على منهاجه حتى ينصرنا الله ويثبّت أقدامنا، واللهُ لا يخلف الميعاد.
اما الذين كفروا بالله فتعساً لهم وهلاكا، واللهُ تعالى قد أبطلَ اعمالهم، وجعلها على غير هدى لأنها عُملت للشيطان. فلقد كرهوا ما انزل الله من القرآن وكذّبوا به وقالوا عنه انه سحر مبين، ﴿ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ﴾، وهكذا بات عملهم كلّه هباءً وذهبوا الى النار.
بعد ذلك يوجه الله الناسَ الى النظر في احوال الأمم السابقة ورؤية آثارهم، لأن المشاهَدة للأمور المحسوسة تؤثر في النفوس، فيقول لهم : افلم تسيروا في الأرض فتنظروا ديار الأمم السابقة التي كذّبت الرسل! اتّعظوا بذلك، واحذروا ان نفعل بكم كما فعلنا بمن قبلكم، ممن اوقعنا بهم الهلاك ودمرنا ديارهم. ﴿ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ﴾ ان كل من يكفر بالله ينتظره مثل ذلك العذاب. والله وليُّ من آمن به واطاع رسوله، وليس للكافرين من ناصر على الاطلاق.
وبعد ان بيّن حال المؤمنين والكافرين في الدنيا بيّن هنا نصيب المؤمنين، ونصيب الكافرين في الآخرة، وشتان بين الحالين وبين النصيبين. فالمؤمنون يدخلون جناتٍ عظيمة تجري من تحتها الأنهار إكراماً لهم على إيمانهم بالله ونصرهم لدينه وشريعته. والكافرون يتمتعون في الدنيا قليلا، ويأكلون كما تأكل الحيوانات، غافلين عما ينتظرهم من عذاب أليم، ﴿ والنار مَثْوًى لَّهُمْ ﴾ فهي مأواهم الذي يستقرون فيه.
﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ... ﴾
وهنا يسلّي الله تعالى رسوله الكريم فيخبره ان كثيراً من أهل القرى السابقين كانوا اشدَّ بأساً وقوة من مكة التي أخرجك اهلُها، ومع ذلك فقد أهلكهم الله بأنواع العذاب فلم ينصُرهم احد، ولم يمنعهم احد.
ثم يبين الله الفرق بين المؤمنين المصدّقين، والكافرين الجاحدين، والسببَ في كون المؤمنين في اعلى الجنان، والكافرين في اسفل الجحيم :
﴿ أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾
هل يستوي الفريقان في الجزاء؟ لا يمكن، فالذين آمنوا ﴿ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ﴾ رأوا الحق وعرفوه واتبعوه. والذين كفروا زين لهم الشيطان سوء اعمالهم فرأوه حسنا فضلّوا ﴿ واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ ﴾ فهل يستوي الفريقان؟ لا يستويان ابدا.