زعم فلان كذا : ادّعى علمه بحصوله، واكثر ما يُستعمل الزعم للادّعاء الباطل. النور : هو القرآن الكريم. يوم الجمع : يوم القيام. يوم التغابن : هو يوم القيامة، وسُمي بذلك لأن اهلَ الجنة تغبن فيه اهل النار بما يصير اليه اهل الجنة من النعيم وما يلقى اهل النار من العذاب في الجحيم. وأصل الغَبن : النقص، غبن فلان فلاناً في البيع : نقصه حقه. والخلاصة أنه في ذلك اليوم يظهر الريح والخسران، فيربح المؤمنون، ويخسر الجاحدون الكافرون.
﴿ زَعَمَ الذين كفروا... ﴾
في الآيات السابقة ذكر اللهُ إنكار المشركين للألوهية، ثم إنكارهم للنبوة، وبيّن ما لقيَه المنكرون وما سيلقون. وهنا يبين إنكارهم للبعث والجزاء، فقل لهم يا محمد : ليس الأمر كما زعمتم، إني أُقسم بربي لتُبعَثُنَّ بعد الموت، ولَتُجزَوْنَ بما عملتم في الدنيا وتحاسَبون عليه، ﴿ وَذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ ﴾، فهو كما خَلَقَكم سيُعيدكم.
ثم بعد ان بيّن لهم الحقائق طالبَهم بالإيمان، وذلك لمصلحتهم ولخيرهم فقال :
﴿ فَآمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ والنور الذي أَنزَلْنَا ﴾ ما دام البعثُ حقا، فصدَّقوا ايها الناس بهذا الإله العظيم وبرسوله الكريم، وبهذا القرآن الذي هو نور أضاءَ الكونَ بهدْيه، واخرجَ العالَمَ من الظلمات الى النور، ﴿ والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ فلا تخفى عليه اعمالكم.
ثم أنذر بأنه تعالى يجمعهم يومَ القيامة، يوم يظهر ربح الرابحين وخسران المبطلين فقال :
﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الجمع ذَلِكَ يَوْمُ التغابن ﴾
في ذلك اليوم يُغبن الكافرون ويربح المؤمنون، وما أعظمه من ربح!! انه لا غبنَ أعظم من ان قوما ينعمون، وقوما يعذَّبون، ذلك هو الخسران المبين. ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يُذهب عنه سيئاته ﴿ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذَلِكَ الفوز العظيم ﴾ ذلك هو الفوز الذي لا فوز بعده، ﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَاز ﴾ [ آل عمران : ١٨٥ ].
ثم بين الله تعالى الجانبَ المقابل وهم أهلُ النار فقال :
﴿ والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أولئك أَصْحَابُ النار خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ المصير ﴾.
فهؤلاء جزاؤهم النارُ لكفرهم وتكذيبهم الرسلَ وإنكارهم المعجزات، وبئس النارُ مصيراً لهم.
وبعد ان بين مصير الناس وأنهم قسمان : كافر بالله مكذِّب لرسله ومصيرُهُمْ النار، ومؤمن بالله ومصدّق لرسله ويعمل الصالحات فهو من اهل الجنة - بيّن هنا أمراً عظيما بقوله :
﴿ مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله.. ﴾.
ان ما يصيب الانسان من خير او شر إنما يكون بقضاء الله وقدَره بحسب النُظم التي وضعها للكون. فعلى الانسان ان يجدَّ ويعمل، ثم لا يبالي بعد ذلك بما يأتي به القضاء. على المرء ان يبذل جهده ويسعى في جلب الخير ودفع الضُرّ ما استطاع الى ذلك سبيلا، وان يتوكل على الله ويؤمن به خالص الايمان.