والشريعة الإسلامية، وان اباحت الطلاق - قد بغّضت فيه وقبّحته وبينت انه ضرورة لا يُلجا إليها الا بعد استنفاد جميع الوسائل لبقاءِ رباط الزوجية الذي هو أوثق رباط، والذي حبّبتْ فيه وجعلته من أجلّ النعم، وسماه الله تعالى :﴿ مِّيثَاقاً غَلِيظاً ﴾ [ النساء : ٢١ ] والأحاديثُ كثيرة على التحذير من الطلاق والبعد عنه ما امكن للضرورة.
﴿ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ﴾.
بعد أن أمرَ اللهُ تعالى بأن يكون الطلاق حسب ما أمَرَ به وان يكون طلقة واحدة رجعيّة، وَمَنَعَ خروج المطلقة من المنزل او اخراجها الا اذا أتت بفاحشة، ونهى عن تعدِّي تلك الحدود حتى لا يحصَلَ الضرر والندم - خيَّرَ هنا الرجلَ بين أمرين إذا شارفتْ عدةُ امرأته على الانتهاء : إما ان يراجعَها ويعاشرَها بالمعروف والإحسان، وإما أن يفارقَها مع أداءِ حقوقها التي لها ويُكرمها بقدر ما يستطيع.
ثم أمر بالإشهادِ على ذلك فقال :
﴿ وَأَشْهِدُواْ ذَوَي عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُواْ الشهادة لِلَّهِ ﴾.
يعني اذا راجع المرء زوجته عليه ان يُشهِد اثنين من العدول، واذا فارقَها كذلك. وخاطب الشهودَ بأن يشهدوا على الحق ويؤدوا أمانتهم، وهي الشهادة، على وجهها خالصة لله.
﴿ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بالله واليوم الآخر ﴾.
هذا الذي امرتكم به من امر الطلاق يتعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فيعمل به ولا يخرج عن طاعة الله.
﴿ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾
ومن ثم يأتي الله تعالى بهذا الكلام اللطيف المطمئن، يخبر فيه جلّ جلاله ان من يخشى الله ويتقيه ويتقيد بأوامر الشريعة يجعلْ له مخلصا من كل ضيق في الدنيا والآخرة، ويهيّيء له من اسباب الرزق من حيث لا يخطر له على بال.
فالتقوى ملاك الأمر عند الله، وبها نيطت السعادةُ في الدارين.
روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه انه قال : أجمع آيةٍ في القرآن :﴿ إِنَّ الله يَأْمُرُ بالعدل والإحسان ﴾ وان اكبر آية في القرآن فَرَجاً :﴿ وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ ﴾.
﴿ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ الله بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ الله لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ﴾.
ومن أخَذ بالاسباب واخلص في عمله وتوكل على الله فان الله تعالى يكفله ويكفيه ما أُهمه في دنياه واخراه.. وهكذا يجب ان تفهم هذه الآية الكريمة، فليس معنى التوكل ان يقعد المرء ولا يعمل ويقول توكلت على الله. ولذلك قال الرسول الكريم ﷺ :« اعقِلها وتوكل » إن الله تعالى بالغٌ مرادَه، منفذٌ لمشيئته.