لا أُقسِم بيوم القيامة : ان الامر لا يحتاج الى قسم لأنه في غاية الوضوح. ولا أُقسِم بالنفس اللوامة : لأن البعث حق لا شكل فيه. اللوامة : هي النفس التوافة الى المعالي التي تندم على الشر لِمَ فعلته، وعلى الخير لمَ لم تستكثر منه. البنان : مفردها بنانة ونهي اطراف الاصابع. لِيَفجُر أمامه : ليدوم على فعل المعاصي ولا يتوب الى الله. أيان يوم القيامة : متى يوم القيامة. برق البصر : تحير من الخوف والفزع. خسف القمر : ذهب ضوؤه. لا وزر : لا ملجأ. ينبأ : بخبر. معاذيره : اعذاره. لتعجَل به : لتأخذه على عجل مخافة ان ينفلت منك. قرآنه : قراءته.
اقسم الله تعالى تعظمة يوم القيامة، وبالنفس الكثيرة اللوم لصاحبها على الذنب والتقصير في الخير - لَتُبعثُنَّ أيها الناسُ ولتحاسَبنّ على ما فعلتم. أيحسب الانسان بعد ان خلقناه من عدم ان لن نجمع ما بلي من عظامه بعد ان تفرقت في الأرض! بلى نحن قادرون على ذلك وعلى أعظمَ منه، فنحن قادرون على ان نسوي بنانه على صغرها ولطافتها، وضم بعضها الى بعض، فكيف بكبار العظام! ان من يقدر على جمع العظام الصغار فهو على غيرها من الكبار أقدَر.
واعلم ان عظام اليدين ثلاثون، وعظام اصابع الرجلين ثمانية وعشرون، فيكون مجموعهما ثمانية وخمسين، وهذه عظام دقيقة وضعت لمنافع لولاها ما تمت تلك المنافع كالقبض والبسط واستعمال اليدين في الجذب والدفع وغير ذلك مما لا يحصى. فلولا دقة هذه العظام وحسن تركيبها ما انتظمت الاعمال المترتبة على اليدين. وكذلك الفقرات، تعدّدت ولم تجعل عظمة واحدة، لانها لو جُعلت واحدة لعاقت حركة الانسان. وقد جُعلت فقراتٍ متتالية ليمكنه الحركة والسكون، ويكون ذلك سهلا عليه اينما كان، فلولا الفقرات وتفصيلها لم يقدر الانسان على الانحناء للاعمال والحركات المختلفة، بل يكون منتصبا كالخشبة. ومجموع العظام في جسم الانسان مئتان وثمانية واربعون قطعة، ﴿ فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين ﴾ [ المؤمنون : ١٤ ].
﴿ بَلْ يُرِيدُ الإنسان لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ القيامة ﴾.
بل يريد الانسان ان يتمادى في عصيانه وفجوره الى آخر لحظة من عمره ولا يتوب الى الله. ويسأل مستهزئا : متى يومُ القيامة؟ ونحو الآية قولُه تعالى وقد تكرر كثيرا :﴿ وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [ يونس : ٤٨، الأنبياء : ٣٨، النمل : ٧١، سبأ : ٢٩، يس : ٤٨، الملك : ٢٥ ].
وقد أجاب الله تعالى على هذا السؤال بان لها علامات بيّن ثلاثاً منها بقوله الكريم :
﴿ فَإِذَا بَرِقَ البصر وَخَسَفَ القمر وَجُمِعَ الشمس والقمر يَقُولُ الإنسان يَوْمَئِذٍ أَيْنَ المفر؟ ﴾.
فاذا تحير البصر وزاغ من شدة الهول ومن عظيم ما يشاهد، وذهب نور القمر، وجُمع الشمس والقمر إيذانا بخراب هذا الكون - عند ذلك تقوم القيامة، ويتحقق الانسان من صحة قيامها ويقول من دهشته وتحيره : اين المفر من هذه الكارثة التي حلت فيه؟ فيأتي الجواب :
﴿ كَلاَّ لاَ وَزَرَ ﴾.