البلد : مكة المكرمة. حِل : مقيم فيه. ووالدٍ وما ولد : كل والد ومولود من الانسان والحيوان والنبات. في كبَد : في مشقة وتعب. أهلكتُ مالاً لبدا : انفقت مالاً كثيرا. النَّجدَين : طريقَي الخير والشر، والنجد : المرتفع من الأرض. اقتحم العقبة : دخل بشدة في الطريق الصعب. فكُّ رقبة : عتق العبيد. في يوم ذي مسغبة : في يوم فيه جوع، سَغِبَ الرجلُ يسغب : جاع. يتيماً ذا مقربة : من أهل قرابته. أو مسكينا ذا متربة : فقيرا جدا. تواصَوا بالصبر : نصح الناس بعضهم بعضا بالصبر. الميمنة : طريق النجاة والسعادة. المشأمة : طريق الشقاء. مؤصَدة : مغلقة مطبقة عليهم. أصَدَ البابَ أصدا : أغلقه. وآصده إيصادا. وأوصده.
﴿ لاَ أُقْسِمُ بهذا البلد وَأَنتَ حِلٌّ بهذا البلد ﴾
أقسم قسماً مؤكدا بمكة، التي شرّفها الله فجعلَها حَرماً آمنا، وأنت يا محمدُ ساكنٌ ومقيم بمكّة تزيدها شَرفا وقدْرا.
﴿ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ ﴾
وأقسَم بكل والدٍ ومولودٍ من الانسان وغيره، لأن بهما حِفظَ النوع وبقاءَ العمران. وقد اقسم الله تعالى بوالدٍ وما ولد ليوجّه أنظارنا الى رفعة هذا الطور من أطوار الوجود. وهو طورُ التوالد، والى ما فيه من بالغِ الحكمة و اتقان الصنع، وإلى ما يعانيه الوالدُ والمولود في ابتداء النشء، وتكميلِ الناشئ وإبلاغِه حدَّ النمو المقدَّر له.
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِي كَبَدٍ ﴾
لقد خلقنا الانسان في مشقةٍ وتعب منذُ نشأتِه الى منتهى أمره. فهو في مكابَدة وجَهدٍ وكَدْح، يقاسي من ضروب هذا التعبِ منذ نشأته في بطن أمّه إلى أن يصير رجلا. وكلّما كَبِرَ ازدادت متاعبُه ومطالبه، فهو في كَبَدٍ دائم، ولا تنتهي حاجاتُه الا بانتهاء أجله ووفاته.
وبعد تقريرِ هذه الحقيقة عن طبيعة الحياة الإنسانية شَرَعَ يبين لهذا الانسانِ المغرور المبذِّر أنّ الله تعالى يراه في جميع أحوالِه، وأنه أنعَم عليه بنعمٍ لا تقدَّر فقال :
﴿ أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَداً أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ ﴾
أيظن هذا الانسانُ المخلوق في مشقة وتعبٍ ان لن يقدِر على إخضاعِه أحد! يقول هذا المغرور بكثرة ماله : لقد أنفقتُ أموالاً كثيرة في سبيل الشهوات والشيطان. أيظنُّ هذا المفتون بالشُّهرة والظهور أن الله غافلٌ عنه! وأن امره قد خفيَ فلم يطَّلع عليه أحد؟! كلاّ ان الله تعالى مطّلعُ على أعماله وسيسأله عنها يوم القيامة ويحاسِبه حساباص عسيرا.
ثم ذكّره اللهُ تعالى بما أنعم عليه من نعمٍ لا تُحصى في خاصة نفسه وفي صَميم تكوينه واستعداده، ولكنه لم يشكر هذه النعم ولم يقُم بحقّها.
﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ ﴾
ألم نخلق له عينين ينظُر بهما دلائلَ قدرة الله في هذا الكون، ولساناً وشفتين ليتمكّنَ من النطق والإفصاح عما في نفسه!؟ فالكلمةُ أحيانا تقوم مقام السيف والمدفع واكثر.


الصفحة التالية
Icon