﴿لمن الضَّالّين (١٩٨) ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس وَاسْتَغْفرُوا الله إِن الله غَفُور﴾ جِبْرِيل لما وقف بإبراهيم، كَانَ يَقُول لَهُ: عرفت. فَيَقُول: عرفت.
والإفاضة: الدّفع بِكَثْرَة، يُقَال: فاض الْإِنَاء. إِذا امْتَلَأَ حَتَّى سَالَ من الجوانب، وَمِنْه: رجل فياض، إِذا كَانَ كثير الْعَطاء، قَالَ الشَّاعِر:

(وأبيض فياض يَدَاهُ غمامة على معتقيه مَا تغب نوافله)
وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿فَإِذا أَفَضْتُم﴾ لِأَنَّهُ يدْفع بَعضهم بَعْضًا بِكَثْرَة عِنْد الرُّجُوع.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فاذكروا الله عِنْد الْمشعر الْحَرَام﴾ والمشعر الْحَرَام، والمزدلفة، وَالْجمع أسامي مَوضِع وَاحِد. فالمشعر: الْمعلم فَإِن الْمزْدَلِفَة معلم للمبيت، وَالْوُقُوف، وَالدُّعَاء، وَالْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ. وَإِنَّمَا سمى: جمعا؛ لِأَنَّهُ يجمع هُنَالك بَين الْمغرب وَالْعشَاء.
وسمى: مُزْدَلِفَة، من الازدلاف وَهُوَ: الِاجْتِمَاع، والمزدلفة: مَوضِع بَين جبلين، يُسمى أَحدهمَا: قزَح يقف عَلَيْهِ الإِمَام، وَهُوَ من جملَة الْحرم وَلذَلِك سمى الْمشعر الْحَرَام.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿واذكروه كَمَا هدَاكُمْ﴾ أَي: واذكروه بِالتَّوْحِيدِ والتعظيم، كَمَا ذكركُمْ بالهداية.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وَإِن كُنْتُم من قبله لمن الضَّالّين﴾ قيل: مَا كُنْتُم من قبله إِلَّا من الضَّالّين، وَقيل: مَعْنَاهُ: قد كُنْتُم من قبله لمن الضَّالّين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ثمَّ أفيضوا من حَيْثُ أَفَاضَ النَّاس﴾ يَعْنِي: من عَرَفَات.
فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: ثمَّ أفيضوا بِكَلِمَة التعقيب والإفاضة من عَرَفَات إِنَّمَا تكون قبل الْوُصُول إِلَى الْمزْدَلِفَة؟ قُلْنَا: " ثمَّ " بِمَعْنى " الْوَاو " هَهُنَا، يَعْنِي: وأفيضوا. وَهُوَ مثل قَوْله: ﴿ثمَّ كَانَ من الَّذين آمنُوا﴾ أَي: وَكَانَ من الَّذين آمنُوا، فَيكون


الصفحة التالية
Icon