﴿يَا مَرْيَم أَنى لَك هَذَا قَالَت هُوَ من عِنْد الله إِن الله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب (٣٧) هُنَالك دَعَا زَكَرِيَّا ربه قَالَ رب هَب لي من لَدُنْك ذُرِّيَّة طيبَة إِنَّك أَنْت سميع الدُّعَاء (٣٨) ﴾
غرفَة يرتقي إِلَيْهَا بالسلم، وَكَانَ زَكَرِيَّا قد اتخذ لِمَرْيَم مثل تِلْكَ الغرفة، وَكَانَ يرقى إِلَيْهَا بالسلم، قَالَ الشَّاعِر فِي مَعْنَاهُ:
(ربة محراب إِذا جِئْتهَا... لم ألقها أَو أرتقى سلما)
إِي: ربة غرفَة، وَقيل: الْمِحْرَاب: أشرف الْمجَالِس، وَقيل: هُوَ الْمِحْرَاب الْمَعْرُوف.
﴿وجد عِنْدهَا رزقا﴾ والرزق: مَا يُؤْكَل، قَالَ قَتَادَة: فَاكِهَة الشتَاء فِي الصَّيف، وَفَاكِهَة الصَّيف فِي الشتَاء، كَانَ قد رَآهَا عِنْدهَا، قَالَ الْحسن: حِين ولدت مَرْيَم لم تلقم ثديا، وَكَانَ يَأْتِيهَا الله تَعَالَى برزقها.
﴿قَالَ يَا مَرْيَم أَنى لَك هَذَا﴾ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: مَعْنَاهُ: من أَيْن لَك هَذَا؟ ﴿وَأنْكرت النُّحَاة هَذَا، وَقَالُوا: هَذَا تساهل من أبي عُبَيْدَة، وَبَينهمَا فرق، ف " أَنى " للسؤال عَن الْجِهَة، و " أَيْن " للسؤال عَن الْمَكَان، وَأنْشد الْمبرد لبَعْضهِم.
(أَنى وَمن أَيْن آنك الطَّرب... )
فرق بَينهمَا، قَوْله: {أَنِّي لَك هَذَا﴾ أَي: من أَي جِهَة لَك هَذَا؟} ﴿قَالَت هُوَ من عِنْد الله إِن الله يرْزق من يَشَاء بِغَيْر حِسَاب﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿هُنَالك دَعَا زَكَرِيَّا ربه﴾ وَذَلِكَ أَن زَكَرِيَّا لما رأى مَرْيَم يَأْتِيهَا رزقها فِي غير حِينه نَحْو فَاكِهَة الصَّيف فِي الشتَاء - طمع أَن يرْزق الْوَلَد فِي غير حِينه - على الْكبر - فَدَعَا الله أَن يرزقه ولدا، وَكَانَ قد بلغ مائَة وَعشْرين سنة، وَبَلغت امْرَأَته ثَمَان وَتِسْعين سنة.
﴿قَالَ رب هَب لي من لَدُنْك﴾ من عنْدك ﴿ذُرِّيَّة طيبَة﴾ أَي: ولدا صَالحا تقيا نقيا، والذرية تشْتَمل على الذّكر وَالْأُنْثَى، وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿طيبَة﴾ بنعت الْمُؤَنَّث على لفظ