﴿فِي المهد وكهلا وَمن الصَّالِحين (٤٦) قَالَت رب أَنى يكون لي ولد وَلم يمسسني بشر قَالَ كَذَلِك الله يخلق مَا يَشَاء إِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون (٤٧) ويعلمه الْكتاب وَالْحكمَة والتوارة وَالْإِنْجِيل (٤٨) ورسولا إِلَى بني إِسْرَائِيل أَنِّي قد جِئتُكُمْ بِآيَة﴾
مَرْيَم ﴿إِنِّي عبد الله﴾ وَأنكر النَّصَارَى كَلَامه فِي المهد سَيَأْتِي بَيَانه، وَأما كَلَامه وَهُوَ كهل، قيل: هُوَ إخْبَاره عَن الْأَشْيَاء المعجزة، وَقيل: هُوَ كَلَامه بعد نُزُوله من السَّمَاء.
والكهل: قيل: هُوَ مَا فَوق الْغُلَام، وَدون الشَّيْخ، وَهُوَ ابْن أَربع وَثَلَاثِينَ سنة، وَأَصله: الطول، وَمِنْه: اكتهل النَّبَات إِذا طَال.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَت رب أَنى يكون لي ولد وَلم يمسسني بشر﴾ قَالَت ذَلِك تَعَجبا؛ إِذْ لم تكن جرت الْعَادة بِأَن يُولد ولد بِلَا أَب ﴿قَالَ كَذَلِك الله يخلق مَا يَشَاء إِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ: كن، فَيكون﴾ أَي: لَا يعسر عَلَيْهِ شَيْء، يفعل مَا يَشَاء، وَيحكم مَا يُرِيد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ويعلمه الْكتاب﴾ يقْرَأ: بِالْيَاءِ وَالنُّون، وَالْكتاب: الْخط ﴿وَالْحكمَة﴾ : الْعلم وَالْفِقْه، ﴿والتوراة وَالْإِنْجِيل﴾ علمه الله التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل،
﴿ورسولا إِلَى بني إِسْرَائِيل﴾. مِنْهُم من قَالَ: كَانَ رَسُولا فِي حَالَة الصِّبَا، وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّمَا كَانَ رَسُولا بعد الْبلُوغ.
﴿أَنِّي قد جِئتُكُمْ بِآيَة من ربكُم﴾ مَعْنَاهُ: بآيَات من ربكُم، وَإِنَّمَا اكْتفى بِذكر الْآيَة؛ لِأَن الْكل دَال على شَيْء وَاحِد.
﴿أَنِّي أخلق لكم من الطين﴾ أَي: أقدر وأصور ﴿كَهَيئَةِ الطير فأنفخ فِيهِ فَيكون طيرا بِإِذن الله﴾ قيل: إِن عِيسَى قَالَ لَهُم: أَي شَيْء أَشد خلقا؟ قَالُوا: الخفاش، فَقدر من الطين خفاشا وصوره، وَنفخ فِيهِ؛ فَقَامَ يطير بِإِذن الله.


الصفحة التالية
Icon