﴿بِالتَّوْرَاةِ فاتلوها إِن كُنْتُم صَادِقين (٩٣) فَمن افترى على الله الْكَذِب من بعد ذَلِك فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ (٩٤) قل صدق الله فاتبعوا مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا وَمَا كَانَ من الْمُشْركين (٩٥) إِن أول بَيت وضع للنَّاس ببكة مُبَارَكًا وَهدى للْعَالمين (٩٦) فِيهِ آيَات بَيِّنَات مقَام إِبْرَاهِيم﴾
حَلَالا لَهُ ولبني إِسْرَائِيل، وَإِنَّمَا حرمهَا يَعْقُوب على نَفسه قبل نزُول التَّوْرَاة، يَعْنِي: أَن حرمتهَا لَيست فِي التَّوْرَاة، وَلَا فِي شرع إِبْرَاهِيم، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْء حرمه إِسْرَائِيل على نَفسه، وَسبب تَحْرِيمه ذَلِك على نَفسه: أَنه أشتكى عرق النسا، وَكَانَ لَهُ من ذَلِك زقاء - أَي صياح - فَقَالَ: إِن شفاني الله مِنْهُ لأحرمن أحب الطَّعَام إِلَيّ لُحُوم الْإِبِل وَأَلْبَانهَا، فشفاه الله؛ فَحَرمهَا على نَفسه.
﴿قل فَأتوا بِالتَّوْرَاةِ فاتلوها إِن كُنْتُم صَادِقين﴾ طالبهم بالإتيان بِالتَّوْرَاةِ حجَّة على مَا ادعوا فَلم يَأْتُوا بهَا؛ إِذْ لم يكن تَحْرِيمهَا فِي التَّوْرَاة، فعجزوا عَن الْإِتْيَان بِالتَّوْرَاةِ وَكَانَ ذَلِك كالمعجزة للرسول عَلَيْهِم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَمن افترى على الله الْكَذِب من بعد ذَلِك فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ﴾ وَقد ذكرنَا معنى الافتراء وَالظُّلم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل صدق الله﴾ يَعْنِي: فِيمَا أخبر وَأنزل ﴿فاتبعوا مِلَّة إِبْرَاهِيم حَنِيفا﴾ وَإِنَّمَا دعاهم إِلَى إتباع مِلَّة إِبْرَاهِيم؛ لِأَن فِي اتِّبَاع مِلَّته اتِّبَاعه، وَفِي اتِّبَاعه اتِّبَاع مِلَّته، ﴿وَمَا كَانَ من الْمُشْركين﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن أول بَيت وضع للنَّاس ببكة مُبَارَكًا﴾ روى أَبُو ذَر: " أَنه سَأَلَ رَسُول الله أَي الْمَسَاجِد وضع أَولا؟ فَقَالَ: الْمَسْجِد الْحَرَام. (قلت) : ثمَّ أَي؟ قَالَ: الْمَسْجِد الْأَقْصَى، قلت: كم بَينهمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ عَاما، ثمَّ قَالَ: أَيْنَمَا أَدْرَكتك الصَّلَاة، فصل؛ فَإِنَّهُ لَك مَسْجِد ".
وروى خَالِد بن عرْعرة عَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: أَرَادَ بِهِ: أَن أول بَيت وضع للنَّاس مُبَارَكًا مَعَ الرَّحْمَة وَالْبركَة، والآيات الْبَينَات للَّذي ببكة.
وَقيل: أول مَا خلق الله تَعَالَى من الأَرْض مَوضِع الْبَيْت، ثمَّ مِنْهُ خلق جَمِيع الأَرْض،


الصفحة التالية
Icon