﴿لَعَلَّكُمْ تشكرون (١٢٣) إِذْ تَقول للْمُؤْمِنين ألن يكفيكم أَن يمدكم ربكُم بِثَلَاثَة آلَاف من الْمَلَائِكَة منزلين (١٢٤) بلَى إِن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هَذَا يمددكم ربكُم بِخَمْسَة﴾
الطائفتان بَنو سَلمَة وَبَنُو حَارِثَة أَن يرجِعوا مَعَهم، فثبتهما الله تَعَالَى على الْمُضِيّ مَعَه، فَلم يرجِعوا "، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿إِذْ هَمت طَائِفَتَانِ مِنْكُم أَن تَفْشَلَا﴾ أَي: أَن تضعفا: وتجبنا ﴿وَالله وليهما﴾ أَي: ناصرهما ومثبتهما على الْحَرْب.
قَالَ جَابر: مَا وَدِدْنَا أَن تَفْشَلَا، وَقَالَ الله: ﴿وَالله وليهما وعَلى الله فَليَتَوَكَّل الْمُؤْمِنُونَ﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَقَد نصركم الله ببدر﴾ يذكر عَلَيْهِم منته بالنصرة يَوْم بدر، وَهُوَ مَوضِع بَين مَكَّة وَالْمَدينَة، وسمى بَدْرًا باسم الْموضع، وَقيل: سمى بَدْرًا بإسم رجل، وَقيل بإسم بِئْر ﴿وَأَنْتُم ذلة﴾ أَي: قَلِيل الْعدَد؛ لأَنهم كَانُوا يَوْم بدر ثلثمِائة وَثَلَاثَة عشر نَفرا، قَالَ عَليّ: وَلم يكن فِينَا فَارس إِلَى الْمِقْدَاد، وَكَانَ مِنْهُم سَبْعَة وَسَبْعُونَ من الْمُهَاجِرين وَالْبَاقُونَ من الْأَنْصَار، وَكَانَ صَاحب راية الْمُهَاجِرين أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ - رَضِي الله عَنهُ -، وَصَاحب راية الْأَنْصَار قيس بن سعد بن عبَادَة.
وَكَانَ لَهُم يَوْمئِذٍ قَلِيل سلَاح، فَمن الله عَلَيْهِم بالنصرة لَهُم؛ مَعَ قلَّة عَددهمْ وعدتهم، ﴿فَاتَّقُوا الله لَعَلَّكُمْ تشكرون﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِذْ تَقول للْمُؤْمِنين ألن يكفيكم﴾ قيل: أَرَادَ بِهِ: فِي يَوْم بدر، وَقيل: فِي يَوْم أحد، قَالَ ابْن عَبَّاس: مَا قَاتَلت الْمَلَائِكَة فِي المعركة إِلَّا يَوْم بدر.
أَي: يكفيكم ﴿أَن يمدكم ربكُم﴾ الْإِمْدَاد: هُوَ إِعَانَة الْجَيْش بالجيش، وَمِنْه: المدد ﴿بِثَلَاثَة آلَاف من الْمَلَائِكَة منزلين﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿بلَى إِن تصبروا﴾ يَعْنِي: بلَى وَعدكُم إِن تصبروا على لِقَاء الْعَدو، ﴿وتتقوا﴾ أَي: وتحذروا مُخَالفَة الرَّسُول ﴿ويأتوكم من فورهم هَذَا﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس وَالْحسن وَأكْثر الْمُفَسّرين: مَعْنَاهُ: ويأتوكم من وُجُوههم هَذَا، وَقيل مَعْنَاهُ: من غضبهم هَذَا؛ لأَنهم إِنَّمَا رجعُوا للحرب يَوْم أحد من غضبهم ليَوْم بدر.


الصفحة التالية
Icon