﴿خائبين (١٢٧) لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء أَو يَتُوب عَلَيْهِم أَو يعذبهم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ (١٢٨) وَللَّه﴾
﴿ليقطع طرفا من الَّذين كفرُوا﴾ أَي: قِطْعَة مِنْهُم، وَمِنْه أَطْرَاف الْإِنْسَان؛ لِأَنَّهَا قطع النَّفس، ثمَّ من حمل الْآيَة على حَرْب بدر، فقد كَانَ ذَلِك الْقطع مِنْهُم يَوْم بدر؛ فَإِنَّهُ قتل مِنْهُم سَبْعُونَ وَأسر سَبْعُونَ؛ أَكْثَرهم رؤساؤهم، وَمن حمل الْآيَة على حَرْب أحد، فقد قتل مِنْهُم سِتَّة عشر فيهم أَصْحَاب الرَّايَات، فَكَانَت النُّصْرَة للْمُسلمين مالم يخالفوا أَمر رَسُول الله، فَلَمَّا خالفوا أمره ذهبت النُّصْرَة عَنْهُم.
قَوْله: ﴿أَو يكبتهم﴾ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: أَي: يُهْلِكهُمْ، وَقيل مَعْنَاهُ: يخزيهم، وَهُوَ أصح، وَقيل مَعْنَاهُ: أَو يصرعنهم، والكب والكبت: الصرع على الْوَجْه، وَفِيه قَول رَابِع: يكبتهم بِمَعْنى: يكبدهم، وَذَلِكَ أَن يحزنهم حَتَّى وصل الْحزن إِلَى أكبادهم؛ وَالْعرب تسمي الحزين: أسود الكبد من تَأْثِير الْحزن فِيهِ [وَمِنْه] قَول الشَّاعِر:
(الْأَعْدَاء والأكباد سود... )
﴿فينقلبوا خائبين﴾ أَي: لَا يدركون مَا أملوا، يُقَال: رَجَعَ فلَان من الْغَيْبَة بالخيبة، إِذا لم يدْرك أمله.
قَوْله تَعَالَى: ﴿لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء﴾ روى الزُّهْرِيّ، عَن سَالم، عَن أَبِيه عبد الله بن عمر: " ﴿لَيْسَ لَك من الْأَمر شَيْء﴾ فَترك اللَّعْن فِي الْقُنُوت "، وروى أنس " أَنه شج رَأسه يَوْم أحد، وَكسرت رباعيته، وأدمي وَجهه، وَكَانَ يَأْخُذ الدَّم بكفه وَيَقُول: كَيفَ يفلح قوم خضبوا وَجه نَبِيّهم؟ ! فَنزل قَوْله: {لَيْسَ لَك من الْأَمر


الصفحة التالية
Icon