﴿ليزدادوا إِثْمًا وَلَهُم عَذَاب مهين (١٧٨) مَا كَانَ الله ليذر الْمُؤمنِينَ على مَا أَنْتُم عَلَيْهِ حَتَّى يُمَيّز الْخَبيث من الطّيب وَمَا كَانَ الله ليطلعكم على الْغَيْب وَلَكِن الله يجتبي من رسله من يَشَاء فآمنوا بِاللَّه وَرُسُله وَإِن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عَظِيم (١٩٧) وَلَا يَحسبن الَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فَضله هُوَ خيرا لَهُم بل هُوَ شَرّ لَهُم سيطوقون مَا بخلوا﴾
﴿إِنَّمَا نملي لَهُم ليزدادوا إِثْمًا﴾ أَي: إِنَّمَا نطيل عمرهم ليزدادوا إِثْمًا. روى الْأسود عَن أبن مَسْعُود: " مَا من أحد إِلَّا وَالْمَوْت خير لَهُ؛ برا كَانَ أَو فَاجِرًا: أما الْبر، لقَوْله تَعَالَى -: ﴿وَمَا عِنْد الله خير للأبرار﴾ وَأما الْفَاجِر؛ لقَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا نملي لَهُم ليزدادوا إِثْمًا﴾ ؛ وَذَلِكَ أَنه إِذا ازْدَادَ إِثْمًا اشتدت عُقُوبَته " ﴿وَلَهُم عَذَاب مهين﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ الله ليذر الْمُؤمنِينَ على مَا أَنْتُم عَلَيْهِ﴾ يَعْنِي: على اخْتِلَاط الْمُنَافِقين بكم؛ فَإِنَّهُم كَانُوا مختلطين بِالْمُؤْمِنِينَ ﴿حَتَّى يُمَيّز الْخَبيث من الطّيب﴾ قَالَ مُجَاهِد: حَتَّى يُمَيّز الْكَافِر من الْمُؤمن، وَقَالَ قَتَادَة: حَتَّى يُمَيّز، الْمُنَافِق من الْمُؤمن، وَيقْرَأ: حَتَّى " يُمَيّز " مشددا يُقَال: ماز يُمَيّز، وميز يُمَيّز، بِمَعْنى وَاحِد. وَفِي الحَدِيث: " من ماز أَذَى من الطَّرِيق، فَهُوَ لَهُ صَدَقَة " ﴿وَمَا كَانَ الله ليطلعكم على الْغَيْب﴾ سَبَب نُزُوله: أَن أَصْحَاب رَسُول الله قَالُوا: يَا رَسُول الله، أخبرنَا بِمن يَمُوت على الْإِيمَان، وَمن يَمُوت على الْكفْر؛ فَنزل قَوْله: ﴿وَمَا كَانَ الله ليطلعكم على الْغَيْب وَلَكِن الله يجتبي من رسله من يَشَاء﴾ يَعْنِي: فيطلعه على الْغَيْب بِمَا شَاءَ، وَهَذَا كَمَا قَالَ فِي آخر سُورَة الْجِنّ: ﴿فَلَا يظْهر على غيبه أحدا إِلَّا من ارتضى من رَسُول﴾ ﴿فآمنوا بِاللَّه وَرَسُوله وَإِن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عَظِيم﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا تحسبن الَّذين يَبْخلُونَ بِمَا آتَاهُم الله من فَضله هُوَ خيرا لَهُم﴾ يَعْنِي: هُوَ يكون خيرا لَهُم ﴿بل هُوَ شرا لَهُم﴾ فِي معنى الْآيَة قَولَانِ: أَحدهمَا: أَنه فِي الْيَهُود، حَيْثُ كتموا نعت مُحَمَّد، وبخلوا بِهِ؛ فعلى هَذَا معنى قَوْله: ﴿سيطوقون مَا بخلوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة﴾ أَي: إِثْم مَا بخلوا بِهِ يَوْم الْقِيَامَة، وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْآيَة فِي


الصفحة التالية
Icon