﴿تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ وَلَا جنبا إِلَّا عابري سَبِيل حَتَّى تغتسلوا وَإِن كُنْتُم مرضى أَو على سفر أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط أَو لامستم النِّسَاء فَلم تَجدوا مَاء﴾ تنخرق الأَرْض؛ فساخوا فِيهَا وهلكوا، وتسوى بهم الأَرْض، أَي: عَلَيْهِم الأَرْض.
﴿وَلَا يكتمون الله حَدِيثا﴾ فَإِن قيل: قد أخبر هَاهُنَا أَنهم لَا يكتمون الله حَدِيثا، وَذكر فِي مَوضِع آخر قَوْلهم: ﴿وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين﴾ فقد كتموا، فَكيف وَجه الْجمع؟ قيل: قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: وَهَذَا فِي موطن وَذَاكَ فِي موطن، آخر، وَفِي الْقِيَامَة مَوَاطِن، وَهَذَا جَوَاب مَعْرُوف أوردهُ القتيبي فِي مُشكل الْقُرْآن. وَقيل: مَعْنَاهُ: يودون أَن لَا يكتمون الله حَدِيثا، وَذَلِكَ أَنهم يَقُولُونَ: ﴿وَالله رَبنَا مَا كُنَّا مُشْرِكين﴾ وَنَحْو ذَلِك، فيختم الله على أَفْوَاههم، وينطق جوارحهم؛ فيودون أَنهم لم يكتموا الله حَدِيثا فَهُوَ رَاجع إِلَى قَوْله: ﴿يود الَّذين كفرُوا﴾ وَقيل: مَعْنَاهُ: لَا يقدرُونَ أَن يكتموا الله حَدِيثا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى﴾ يَعْنِي: لَا تقربُوا مَوضِع الصَّلَاة، ﴿وَأَنْتُم سكارى﴾ فَالْأَصَحّ وَعَلِيهِ أَكثر الْمُفَسّرين أَنه أَرَادَ بِهِ: السكر من الشَّرَاب، وَهُوَ قَول ابْن عَبَّاس. وَقَالَ الضَّحَّاك: أَرَادَ بِهِ: السكر من النّوم.
وَالسكر من السكر فَهُوَ أَشد، فالسكر يسد الْعقل والمعرفة، وَالصَّحِيح أَنه فِي السكر من الشَّرَاب.
وَسبب نزُول الْآيَة مَا روى: أَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف صنع طَعَاما، وَاتخذ شرابًا، ودعا رهطا من أَصْحَاب رَسُول الله، فَأَكَلُوا، وَشَرِبُوا حَتَّى ثَمِلُوا، فَدخل وَقت الْمغرب، فَقَامُوا إِلَى الصَّلَاة، وَقدمُوا وَاحِدًا مِنْهُم، فَقَرَأَ سُورَة ﴿قل يَا أَيهَا الْكَافِرُونَ﴾ وَقَرَأَ: أعبد مَا تَعْبدُونَ، وَأَنْتُم عَابِدُونَ مَا أعبد، قَرَأَ هَكَذَا إِلَى آخر السُّورَة بطرح " لَا "؛