﴿فَلَا وَرَبك لَا يُؤمنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم ثمَّ لَا يَجدوا قي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت ويسلموا تَسْلِيمًا (٦٥) وَلَو أَنا كتبنَا عَلَيْهِم أَن اقْتُلُوا أَنفسكُم أَو اخْرُجُوا من دِيَاركُمْ﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَا رَبك لَا يُؤمنُونَ﴾ قَوْله: ﴿فَلَا﴾ : رد لقَوْل الْمُنَافِقين وَعذرهمْ، ثمَّ ابْتِدَاء بقوله: ﴿وَرَبك لَا يُؤمنُونَ﴾ وَالْمرَاد بِهِ: الْإِيمَان الْكَامِل، أَي: لَا يكمل إِيمَانهم، ﴿حَتَّى يُحَكِّمُوك فِيمَا شجر بَينهم﴾ أَي: اخْتلف، والاشتجار: الِاخْتِلَاف، وَمِنْه الشّجر لالتفاف أغصانه بَعْضهَا على بعض، قَالَ الشَّاعِر:
(هم الْحُكَّام أَرْبَاب الندي... وسراة النَّاس إِذْ الْأَمر شجر) أَي: اخْتلف، (ثمَّ لَا يَجدوا فِي أنفسهم حرجا مِمَّا قضيت) أَي: ضيقا، وَمِنْه الحرجة، روى أَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ لبَعض الْعَرَب: مَا الحرجة عنْدكُمْ؟ قَالَ: هِيَ شَجَرَة ملتفة، لَا يصل المَاء إِلَيْهَا.
وَمن ذَلِك قَوْله - تَعَالَى -: ﴿يَجْعَل صَدره ضيقا حرجا﴾ أَي: يضيق مسلكه بِحَيْثُ لَا تصل إِلَيْهِ الْهِدَايَة ﴿ويسلموا تَسْلِيمًا﴾ وَمعنى الْآيَة: لَا يكمل إِيمَانهم حَتَّى يرْضوا بحكمك، وينقادوا لَك، قيل: هَذِه أبلغ آيَة فِي كتاب الله - تَعَالَى - فِي الْوَعيد.
وَاخْتلفُوا فِي سَبَب نزُول الْآيَة، قَالَ عَطاء، وَمُجاهد: الْآيَة فِي الْمُنَافِقين الَّذين تحاكموا إِلَى الطاغوت، وَقَالَ عبد الله بن الزبير، وَعُرْوَة بن الزبير، وَجَمَاعَة: " الْآيَة نزلت فِي رجل من الْأَنْصَار يُقَال لَهُ: حَاطِب بن أبي بلتعة - وَكَانَ من أهل بدر - خَاصم الزبير بن الْعَوام فِي مَاء أَرض عِنْد النَّبِي، فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام - للزبير: اسْقِ أَرْضك المَاء ثمَّ أرْسلهُ إِلَى جَارك، وَكَانَت أَرض الْأنْصَارِيّ دون أرضه؛ فَقَالَ الْأنْصَارِيّ: أَن كَانَ ابْن عَمَّتك، فَتَلَوَّنَ وَجه النَّبِي، وَقَالَ للزبير: اسْقِ أَرْضك، واحبس المَاء حَتَّى يبلغ الْجدر " - وَفِي رِوَايَة - حَتَّى يبلغ الْكَعْبَيْنِ ثمَّ سرحه يمر "