﴿الْقِيَامَة لَا ريب فِيهِ وَمن أصدق من الله حَدِيثا (٨٧) فَمَا لكم فِي الْمُنَافِقين فئتين وَالله أركسهم بِمَا كسبوا أتريدون أَن تهدوا من أضلّ الله وَمن يضلل الله فَلَنْ تَجِد لَهُ سَبِيلا (٨٨) ﴾ فرْقَتَيْن؛ فَنزل قَوْله - تَعَالَى -: ﴿فَمَا لكم فِي الْمُنَافِقين فئتين وَالله أركسهم بِمَا كسبوا﴾ أركسهم وركسهم بِمَعْنى وَاحِد.
وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود ﴿وَالله ركسهم﴾ قَالَ الزّجاج: مَعْنَاهُ: نكسهم، وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل: مَعْنَاهُ: أعادهم، يعْنى: إِلَى الْكفْر بِمَا كسبوا، وَمِنْه: الركس؛ لِأَنَّهُ كَانَ طَعَاما فَصَارَ رجيعا.
﴿أتريدون أَن تهدوا من أضلّ الله﴾ يعْنى: أتريدون أَن ترشدوا من أضلّهُ الله ﴿وَمن يضلل الله﴾ يعْنى: وَمن يضلله ﴿فَلَنْ تَجِد لَهُ سَبِيلا﴾ أَي: طَرِيقا إِلَى الْحق.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿ودوا لَو تكفرون كَمَا كفرُوا﴾ يعْنى: الَّذين عَادوا إِلَى الْكفْر ودوا أَن تعودوا إِلَى الْكفْر ﴿فتكونون سَوَاء﴾ يعْنى: فِي الْكفْر.
﴿فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُم أَوْلِيَاء﴾ مَنعهم من الْمُوَالَاة مَعَهم ﴿حَتَّى يهاجروا فِي سَبِيل الله﴾ أَي: حَتَّى يسلمُوا ﴿فَإِن توَلّوا﴾ يعْنى: فِي الْكفْر ﴿فخذوهم﴾ أَي: فأسروهم، وَالْأَخْذ هَاهُنَا: الْأسر، وَيُقَال للأسير: أخيذ ﴿واقتلوهم حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُم وليا وَلَا نَصِيرًا﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿إِلَّا الَّذين يصلونَ إِلَى قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق﴾ قَالَ أَبُو عبيده: مَعْنَاهُ إِلَّا الَّذين ينتسبون إِلَى قوم، وَأنْشد فِيهِ قَول الشَّاعِر:
(إِذا اتَّصَلت قَالَت لبكر بن وَائِل | وَبكر سباها والأنوف رواغم) |
وَأنكر أهل الْمعَانِي هَذَا على أَبى عبيده، وَقَالُوا: هَذَا لَا يَسْتَقِيم فِي معنى هَذَا الِاسْتِثْنَاء الْمَنْع من الْقَتْل، وَمَا كَانَ الْمَنْع لأجل النِّسْبَة، فَإِن النَّبِي كَانَ يُقَاتل الْمُشْركين من قُرَيْش، وَإِن كَانُوا من نسبه، بل معنى قَوْله: ﴿إِلَّا الَّذين يصلونَ﴾ أَي: