﴿ودوا لَو تكفرون كَمَا كفرُوا فتكونون سَوَاء فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُم أَوْلِيَاء حَتَّى يهاجروا فِي سَبِيل الله فَإِن توَلّوا فخذوهم واقتلوهم حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُم وليا وَلَا نَصِيرًا (٨٩) ﴾ يخالطون، ويتصلون بِقوم كَانَ بَينهم وَبَين النَّبِي موادعة وعهد.
وَذَلِكَ هِلَال بن عُوَيْمِر الْأَسْلَمِيّ، وَقَومه، وَكَانَ الله - تَعَالَى - منع من قتل أُولَئِكَ مِمَّن اتَّصل بهم، وَفِي ذمامهم ﴿أَو جاءوكم﴾ أَو يصلونَ بِقوم جاءوكم للمعاهدة وَالْمُوَادَعَة، ﴿حصرت صُدُورهمْ﴾ ضَاقَتْ، فضاقت صُدُورهمْ من الْقِتَال مَعكُمْ، وَمن معاونتكم على الْقِتَال مَعَ قَومهمْ؛ لأجل الرعب الَّذِي ألْقى الله - تَعَالَى - فِي قُلُوبهم، وَقَرَأَ الْحسن - وَهُوَ قِرَاءَة يَعْقُوب وَسَهل - " حصرة صُدُورهمْ " على الْحَال، أَي: ضيقَة صُدُورهمْ، قَالَ الْمبرد: حصرت صُدُورهمْ على سَبِيل الدُّعَاء، كَقَوْلِه: ﴿قَاتلهم الله﴾ كَأَن الله - تَعَالَى - يَقُول: ﴿حصرت صُدُورهمْ أَن يُقَاتِلُوكُمْ أَو يقاتلوا قَومهمْ﴾ على سَبِيل الدُّعَاء.
﴿وَلَو شَاءَ الله لسلطهم عَلَيْكُم﴾ معنى هَذَا: أَن الله - تَعَالَى - هُوَ الَّذِي ألْقى الرعب فِي قُلُوبهم، وكفهم عَن قتالكم، حَتَّى جَاءُوا معاهدين، وَلَو شَاءَ الله لسلطهم عَلَيْكُم ﴿فلقاتلوكم﴾ ؛ فَإِذا لَا تقاتلوهم وَمن اتَّصل بهم ﴿فَإِن اعتزلوكم فَلم يُقَاتِلُوكُمْ وألقوا إِلَيْكُم السّلم﴾ يعْنى: الصُّلْح فانقادوا، واستسلموا ﴿فَمَا جعل الله لكم عَلَيْهِم سَبِيلا﴾ أَي: طَرِيقا عَلَيْهِم بِالْقَتْلِ والقتال.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿سَتَجِدُونَ آخَرين يُرِيدُونَ أَن يأمنوكم ويأمنوا قَومهمْ﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: أَرَادَ بِهِ: أَسد وغَطَفَان، جَاءُوا إِلَى النَّبِي وَأَسْلمُوا؛ فَلَمَّا رجعُوا إِلَى قَومهمْ قَالُوا: إِنَّا آمنا بالعقرب والخنفساء وَرَجَعُوا إِلَى الْكفْر.
وَقَالَ قَتَادَة: أَرَادَ بِهِ: سراقَة بن مَالك بن جعْشم، لما جَاءَ إِلَى النَّبِي، وَقَالَ: أَنا مِنْكُم، ثمَّ رَجَعَ إِلَى قومه، فَقَالَ أَنا مِنْكُم.