﴿الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار وَلنْ تَجِد لَهُم نَصِيرًا (١٤٥) إِلَّا الَّذين تَابُوا وَأَصْلحُوا واعتصموا بِاللَّه وَأَخْلصُوا دينهم لله فَأُولَئِك مَعَ الْمُؤمنِينَ وسوف يُؤْت الله الْمُؤمنِينَ أجرا﴾ الْمُؤمنِينَ) فِي الْآيَة نهى عَن مُوالَاة الْمُؤمنِينَ مَعَ الْكفَّار ﴿أتريدون أَن تجْعَلُوا لله عَلَيْكُم سُلْطَانا مُبينًا﴾ السُّلْطَان: الْحجَّة، وَمِنْه يُقَال: للأمير سُلْطَان؛ لِأَنَّهُ ذُو الْحجَّة، وَمَعْنَاهُ: أتريدون أَن تجْعَلُوا لله عَلَيْكُم حجَّة بَيِّنَة فِي عذابكم، بِحَيْثُ لَا يبْقى لكم عذر عِنْده؟ !.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿إِن الْمُنَافِقين فِي الدَّرك الْأَسْفَل من النَّار﴾ وَيقْرَأ: " فِي الدَّرك " بجزم الرَّاء - قَالَ أَبُو عبيده، والأخفش: النَّار دركات، وَالْجنَّة دَرَجَات، قَالَ أهل الْعلم: يجوز أَن يكون فِرْعَوْن وهامان أَشد عذَابا من الْمُنَافِقين، وَإِن كَانَ المُنَافِقُونَ فِي الدَّرك الْأَسْفَل. قَالَ ابْن مَسْعُود: الدَّرك الْأَسْفَل: تَابُوت من حَدِيد مقفل عَلَيْهِم، وَقيل: تَابُوت من النَّار. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: والدرك الْأَسْفَل: بَيت مطبق عَلَيْهِم، تتوقد النَّار فِيهِ من فَوْقهم، وَمن تَحْتهم ﴿وَلنْ تَجِد لَهُم نَصِيرًا﴾ مَانِعا من الْعَذَاب.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿إِلَّا الَّذين تَابُوا﴾ أَي: أَسْلمُوا ﴿وَأَصْلحُوا﴾ أَي: داموا على التَّوْبَة ﴿واعتصموا بِاللَّه﴾ الِاعْتِصَام: هُوَ الِامْتِنَاع بالشَّيْء مِمَّا يخَاف، فالاعتصام بِاللَّه: هُوَ الِامْتِنَاع بِطَاعَتِهِ من كل مَا يخَاف عَاجلا، وآجلا ﴿وَأَخْلصُوا دينهم لله﴾ شَرط الْإِخْلَاص بِالْقَلْبِ؛ لِأَن الْآيَة فِي الْمُنَافِقين، والنفاق: كفر الْقلب، فزواله بالإخلاص ﴿فَأُولَئِك مَعَ الْمُؤمنِينَ وسوف يُؤْت الله الْمُؤمنِينَ أجرا عَظِيما﴾، وَإِنَّمَا لم يقل: فَأُولَئِك هم الْمُؤْمِنُونَ، وسوف يُؤْتِيهم الله أجرا عَظِيما؛ غيظا على الْمُنَافِقين.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿مَا يفعل الله بعذابكم إِن شكرتم وآمنتم﴾ هَذَا اسْتِفْهَام بِمَعْنى التَّقْرِير، وَمَعْنَاهُ: لَا يعذب الله الْمُؤمن الشاكر، وَتَقْدِير قَوْله: ﴿إِن شكرتم وآمنتم﴾ أَي: إِن آمنتم وشكرتم، وَالشُّكْر ضد الْكفْر، وَالْكفْر: ستر النِّعْمَة وَالشُّكْر: إِظْهَار النِّعْمَة ﴿وَكَانَ الله شاكرا عليما﴾ الشُّكْر من الله قبُول الْعَمَل، وَمَعْنَاهُ: وَكَانَ