﴿بَعضهم إِلَى بعض قَالُوا أتحدثونهم بِمَا فتح الله عَلَيْكُم ليحاجوكم بِهِ عِنْد ربكُم أَفلا تعقلون (٧٦) أَولا يعلمُونَ أَن الله يعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون﴾ قَوْله ﴿يسمعُونَ كَلَام الله ثمَّ يحرفونه من بعد مَا عقلوه﴾ أَي: فهموه (وهم يعلمُونَ) أَنه الْحق.
قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِذا لقوا الَّذين آمنُوا قَالُوا آمنا﴾ أنزل فِي قوم من الْيَهُود آمنُوا فنافقوا. ﴿وَإِذا خلا بَعضهم إِلَى بعض قَالُوا أتحدثونهم بِمَا فتح الله عَلَيْكُم﴾ وَالْفَتْح بِمَعْنى الْقَضَاء. قَالَ الله تَعَالَى: ﴿إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا﴾ أَي: قضينا لَك قَضَاء بَينا.
وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سَمِعت أَعْرَابِيًا يَقُول: تعال إِلَى الفتاح. وَفِي معنى الْآيَة ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنهم قَالُوا لأهل الْمَدِينَة حِين شاوروهم فِي اتِّبَاع مُحَمَّد: آمنُوا بِهِ فَإِنَّهُ حق. ثمَّ قَالَ بَعضهم لبَعض: أتحدثونهم بِمَا فتح الله عَلَيْكُم ليَكُون لَهُم الْحجَّة عَلَيْكُم عِنْد ربكُم أَي: يأخذونكم.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَنهم أخبروهم بِمَا عذبهم الله بِهِ على الْجِنَايَات؛ فَقَالَ بَعضهم لبَعض: أتحدثونهم بِمَا فتح الله عَلَيْكُم من الْعَذَاب ﴿ليحاجوكم بِهِ عِنْد ربكُم﴾ ليروا الكرمة لأَنْفُسِهِمْ عَلَيْكُم الله.
وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن النَّبِي لما فتح خَيْبَر حاصر بني قُرَيْظَة قَالَ لَهُم: " يَا إخْوَة القردة والخنازير. فَقَالَ بَعضهم لبَعض: هَذِه الْكَلِمَة مَا خرجت إِلَّا مِنْكُم، يَعْنِي: أَنْتُم حدثتموه بذلك " ﴿أَفلا تعقلون﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَو لَا يعلمُونَ أَن الله يعلم مَا يسرون وَمَا يعلنون﴾ يَعْنِي: أَنه عَالم بِمَا اسروا (وأعلنوا).


الصفحة التالية
Icon