﴿من حِسَابك عَلَيْهِم من شَيْء فَتَطْرُدهُمْ فَتكون من الظَّالِمين (٥٢) وَكَذَلِكَ فتنا بَعضهم بِبَعْض لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ من الله عَلَيْهِم من بَيْننَا أَلَيْسَ الله بِأَعْلَم بِالشَّاكِرِينَ (٥٣) وَإِذا جَاءَك الَّذين يُؤمنُونَ بِآيَاتِنَا فَقل سَلام عَلَيْكُم كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة أَنه من عمل﴾
وَقَوله: ﴿يُرِيدُونَ وَجهه﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: أَي: يُرِيدُونَ إِيَّاه بِالطَّاعَةِ، ويريدون خَالص وَجهه، وَالْوَجْه صفة لله - تَعَالَى - بِلَا كَيفَ؛ وَجه لَا كالوجوه.
﴿فَتَطْرُدهُمْ فَتكون من الظَّالِمين﴾ يَعْنِي: إِن طردتهم، وَقيل: فِي الْآيَة تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَتَقْدِيره: وَلَا تطرد الَّذين يدعونَ رَبهم بِالْغَدَاةِ والعشي يُرِيدُونَ وَجهه فَتكون من الظَّالِمين، (ثمَّ قَالَ) :﴿مَا عَلَيْك من حسابهم من شَيْء وَمَا من حِسَابك عَلَيْهِم من شَيْء﴾
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَكَذَلِكَ فتنا بَعضهم بعض﴾ هُوَ فتْنَة الْأَغْنِيَاء بالفقراء، [وَالله - تَعَالَى - يفتن الْأَغْنِيَاء بالفقراء]، ويفتن الْفُقَرَاء بالأغنياء، وَالْمرَاد هَاهُنَا: فتْنَة أكابرهم بفقرائهم؛ حَيْثُ امْتَنعُوا عَن الْإِيمَان بسببهم؛ وَذَلِكَ كَانَ فتْنَة لَهُم.
﴿وليقولوا أَهَؤُلَاءِ من الله عَلَيْهِم من بَيْننَا﴾ يَقُول الْأَغْنِيَاء: أَهَؤُلَاءِ الْفُقَرَاء سبقُونَا بِالْإِيمَان، ثمَّ يَقُول الله - تَعَالَى -: ﴿أَلَيْسَ الله بِأَعْلَم بِالشَّاكِرِينَ﴾ يَعْنِي: أَلَيْسَ الله بِأَعْلَم من هُوَ أهل لِلْإِسْلَامِ؛ فَيدْخل فِي الْإِسْلَام؟ !.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَإِذا جَاءَك الَّذين يُؤمنُونَ بِآيَاتِنَا﴾ هم الْفُقَرَاء الَّذين ذكرنَا ﴿فَقل سَلام عَلَيْكُم﴾ أَمر رَسُوله ببدائتهم بِالسَّلَامِ، وَقد ذكرنَا معنى السَّلَام فِيمَا سبق، وَقيل: مَعْنَاهُ: [سلمكم] الله فِي دينكُمْ، وَقيل: مَعْنَاهُ السَّلامَة لكم.
﴿كتب ربكُم على نَفسه الرَّحْمَة﴾ أَي قضى بِالرَّحْمَةِ لكم ﴿أَنه من عمل مِنْكُم سَوَاء بِجَهَالَة﴾ أَي خطيئه، وَقد بَينا أَن كل عَاص جَاهِل ﴿ثمَّ تَابَ من بعده وَأصْلح فَأَنَّهُ غَفُور رَحِيم﴾ يقْرَأ: أَنه، وفأنه، كِلَاهُمَا بِنصب الْألف؛ فَيكون بَدَلا عَن قَوْله:


الصفحة التالية
Icon