﴿وَيُرْسل عَلَيْكُم حفظَة حَتَّى إِذا جَاءَ أحدكُم الْمَوْت توفته رسلنَا وهم لَا يفرطون (٦١) ثمَّ ردوا إِلَى الله مَوْلَاهُم الْحق أَلا لَهُ الحكم وَهُوَ أسْرع الحاسبين (٦٢) قل من ينجيكم﴾ من بَين يَدَيْهِ وَمن خَلفه يَحْفَظُونَهُ من أَمر الله) وحفظهم: أَن [يحفظوا] على الْعباد الْعَمَل وَالْأَجَل والرزق ﴿حَتَّى إِذا جَاءَ أحدكُم الْمَوْت توفته رسلنَا﴾ وَيقْرَأ: " توفيه " بِالْيَاءِ ﴿وهم لَا يفرطون﴾ أَي: لَا يؤخرون.
فَإِن قيل: قد قَالَ فِي آيَة أُخْرَى: ﴿قل يتوفاكم ملك الْمَوْت﴾ وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿توفته رسلنَا﴾ فَكيف وَجه الْجمع؟ قيل: قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: لملك الْمَوْت أعوان من الْمَلَائِكَة، يتوفون عَن أمره؛ فَهُوَ معنى قَوْله: ﴿توفته رسلنَا﴾ وَيكون ملك الْمَوْت هُوَ الْمُتَوفَّى فِي الْحَقِيقَة؛ لأَنهم يصدرون عَن أمره، وَلذَلِك نسب الْفِعْل إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْآيَة، وَقيل: مَعْنَاهُ: ذكر الْوَاحِد بِلَفْظ الْجمع، وَالْمرَاد بِهِ: ملك الْمَوْت، وَفِي الْقَصَص أَن الله - تَعَالَى - جعل الدُّنْيَا بَين يَدَيْهِ كالمائدة الصَّغِيرَة؛ فَيقبض من هَاهُنَا وَمن هَاهُنَا؛ فَإِذا كثرت الْأَرْوَاح يَدْعُو الْأَرْوَاح فتجيب لَهُ.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿ثمَّ ردوا إِلَى الله مَوْلَاهُم الْحق﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: الْآيَة فِي الْمُؤمنِينَ وَالْكفَّار، فَكيف قَالَ: ﴿مَوْلَاهُم الْحق﴾ وَقد قَالَ فِي آيَة أُخْرَى: ﴿وَأَن الْكَافرين لَا مولى لَهُم﴾ ؟ قيل: الْمولى فِي تِلْكَ الْآيَة بِمَعْنى: النَّاصِر، وَلَا نَاصِر للْكفَّار، وَالْمولى هَاهُنَا بِمَعْنى: الْمَالِك، وَالله مَالك الْكل، وَقيل: أَرَادَ بِهِ رد الْمُؤمنِينَ إِلَيْهِ، وَيدخل الْكفَّار فِيهِ تبعا.
﴿أَلا لَهُ الحكم وَهُوَ أسْرع الحاسبين﴾ أَي: يُحَاسب الْكل فِي لَحْظَة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قل من ينجيكم من ظلمات الْبر وَالْبَحْر﴾ يَعْنِي: من شَدَائِد الْبَحْر وَالْبر، تَقول الْعَرَب: يَوْم مظلم. إِذا كَانَ يَوْم شدَّة، ويسمونه أَيْضا: يَوْمًا ذَا كَوْكَب. كَأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ كالليل لِشِدَّتِهِ، قَالَ الشَّاعِر:


الصفحة التالية
Icon