﴿كل شَيْء فاعبدوه وَهُوَ على كل شَيْء وَكيل (١٠٢) لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك﴾ ذكره من نعت الوحدانية ﴿فاعبدوه﴾ أَي: فأطيعوه ﴿وَهُوَ على كل شَيْء وَكيل﴾ قيل: هُوَ الْكَفِيل بالأرزاق، وَقيل: الْوَكِيل هَاهُنَا بِمَعْنى: الْقَائِم بِخلق كل شَيْء وتدبيره.
قَوْله - تَعَالَى ٠: ﴿لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار وَهُوَ يدْرك الْأَبْصَار﴾ وَاسْتدلَّ بِهَذِهِ الْآيَة من يعْتَقد نفي الرُّؤْيَة، قَالُوا: لما (تمدح) بِأَنَّهُ لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار؛ فمدحه يكون على الْأَبَد فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وَاعْلَم أَن الرُّؤْيَة حق على مَذْهَب أهل السّنة، وَقد ورد بِهِ الْقُرْآن وَالسّنة.
قَالَ الله - تَعَالَى -: ﴿وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة﴾ وَقَالَ: ﴿كلا إِنَّهُم عَن رَبهم يَوْمئِذٍ لمحجوبون﴾.
وَقَالَ: ﴿فَمن كَانَ يَرْجُو لِقَاء ربه﴾ وَنَحْو هَذَا، وروى جرير بن عبد الله البَجلِيّ، وَغَيره بروايات صَحِيحَة عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " إِنَّكُم سَتَرَوْنَ ربكُم كَمَا ترَوْنَ الْقَمَر لَيْلَة الْبَدْر لَيْسَ دونه سَحَاب، لَا تضَامون فِي رُؤْيَته " ويروون: " لَا تضَارونَ فِي رُؤْيَته ".
فَأَما قَوْله - تَعَالَى -: ﴿لَا تُدْرِكهُ الْأَبْصَار﴾ فالإدراك غير الرُّؤْيَة؛ لِأَن الْإِدْرَاك: هُوَ الْوُقُوف على كنه الشَّيْء وَحَقِيقَته، والرؤية: هِيَ المعاينة، وَقد تكون الرُّؤْيَة بِلَا إِدْرَاك، قَالَ الله - تَعَالَى - فِي قصَّة مُوسَى: ﴿فَلَمَّا ترآء الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَاب مُوسَى إِنَّا لمدركون قَالَ كلا﴾ فنفى الْإِدْرَاك مَعَ إِثْبَات الرُّؤْيَة، وَإِذا كَانَ الْإِدْرَاك غير الرُّؤْيَة، فَالله - تَعَالَى - يجوز أَن يرى، وَلَكِن لَا يدْرك كنهه؛ إِذْ لَا كنه لَهُ حَتَّى يدْرك؛ وَهَذَا


الصفحة التالية
Icon