﴿وحشرنا عَلَيْهِم كل شَيْء قبلا مَا كَانُوا ليؤمنوا إِلَّا أَن يَشَاء الله وَلَكِن أَكْثَرهم يجهلون (١١١) وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوا شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ يوحي بَعضهم إِلَى بعض زخرف القَوْل غرُورًا وَلَو شَاءَ رَبك مَا فَعَلُوهُ فذرهم وَمَا يفترون (١١٢) ولتصغى إِلَيْهِ﴾ أَي: مُقَابلَة، وَيقْرَأ: " قبلا " بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء أَي: عيَانًا ﴿مَا كَانُوا ليؤمنوا إِلَّا أَن يَشَاء الله وَلَكِن أَكْثَرهم يجهلون﴾ وَفِي الْآيَة دَلِيل وَاضح على أهل الْقدر.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَكَذَلِكَ جعلنَا لكل نَبِي عدوا﴾ أَي: أَعدَاء، والعدو: اسْم للْوَاحِد وَالْجمع ﴿شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ﴾ وَقَرَأَ الْأَعْمَش: " شياطين الْجِنّ وَالْإِنْس " والشيطان كل عَاتٍ متمرد، سَوَاء كَانَ من الْإِنْس أَو من الْجِنّ، وروى أَن النَّبِي قَالَ لأبي ذَر: " تعوذ بِاللَّه من شياطين الْإِنْس. قَالَ أَبُو ذَر: قلت: وَمن الْإِنْس شياطين؟ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَام - نعم، وتلا هَذِه الْآيَة ".
وَحكى عَن مَالك بن دِينَار أَنه قَالَ: خوفي من شَيْطَان الْإِنْس أكبر من خوفي من شَيْطَان الْجِنّ؛ لِأَن الجني يذهب إِذا ذكرت الله، (والإنسي) يجرني إِلَى الْمعاصِي.
﴿يوحي بَعضهم إِلَى بعض﴾ أَي: يلقِي بَعضهم إِلَى بعض.
﴿زخرف القَوْل غرُورًا﴾ زخرف القَوْل: هُوَ قَول مزين لَا معنى تَحْتَهُ، والغرور: القَوْل الْبَاطِل ﴿وَلَو شَاءَ رَبك مَا فَعَلُوهُ﴾ أَي: مَا أَلْقَت الشَّيَاطِين الوسوسة فِي الْقُلُوب. ﴿فذرهم وَمَا يفترون﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿ولتصغى إِلَيْهِ أَفْئِدَة الَّذين لَا يُؤمنُونَ بِالآخِرَة﴾ وَهَذَا يرجع إِلَى مَا سبق من قَوْله: ﴿زينا لكل أمة عَمَلهم﴾ ﴿لتصغى إِلَيْهِ﴾ وَالْهَاء كِنَايَة عَن زخرف القَوْل؛ يَعْنِي: لتميل إِلَيْهِ قُلُوب الَّذين لَا يُؤمنُونَ الْآخِرَة، وَقيل: اللَّام فِيهِ لَام الْعَاقِبَة، كَمَا بَينا.


الصفحة التالية
Icon