﴿وَجَعَلنَا لَهُ نورا يمشي بِهِ فِي النَّاس كمن مثله فِي الظُّلُمَات لَيْسَ بِخَارِج مِنْهَا كَذَلِك زين للْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يعْملُونَ (١٢٢) كَذَلِك جعلنَا فِي كل قَرْيَة أكَابِر مجرميها ليمكروا﴾ فالكذاب: هُوَ الْمُخْتَار، والمبير: هُوَ الْحجَّاج.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿أَو من كَانَ مَيتا فأحييناه﴾ قَالَ مُجَاهِد: مَعْنَاهُ: من كَانَ ضَالًّا فهديناه ﴿وَجَعَلنَا لَهُ نورا يمشي بِهِ فِي النَّاس﴾ أَي: نور الْإِسْلَام، يعِيش بِهِ بَين الْمُسلمين ﴿كمن مثله فِي الظُّلُمَات لَيْسَ بِخَارِج مِنْهَا﴾ الْمثل صلَة هَاهُنَا، وَتَقْدِيره: كمن هُوَ فِي الظُّلُمَات، أَي: فِي ظلمات الشّرك لَا يخرج مِنْهَا أبدا، قَالَ الضَّحَّاك: هَذَا فِي عمر وَأبي جهل، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: فِي عمار بن يَاسر وَأبي جهل، وَقيل: هُوَ فِي حَمْزَة وَأبي جهل.
وَفِي الْآيَة قَول آخر: أَن مَعْنَاهُ: أَو من كَانَ مَيتا بِالْجَهْلِ؛ فأحييناه بِالْعلمِ، وكل جَاهِل ميت، وكل عَالم حَيّ، قَالَ الشَّاعِر:
(وَفِي الْجَهْل قبل الْمَوْت موت لأَهله | وأجسامهم قبل الْقُبُور قُبُور) |
(وَإِن امْرأ لم يحي بِالْعلمِ ميت | وَلَيْسَ لَهُ قبل النشور نشور) |
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَكَذَلِكَ جعلنَا فِي كل قَرْيَة أكَابِر مجرميها﴾ تَقْدِيره: جعلنَا فِي كل قَرْيَة مجرميها أكَابِر، وَمَعْنَاهُ: إِنَّا كَمَا جعلنَا مجرمي مَكَّة أكَابِر، فَكَذَلِك جعلنَا فِي كل قَرْيَة مجرميها أكَابِر، وَهَذِه سنة الله فِي كل قَرْيَة، وَمن سنَنه: أَنه جعل ضعفاءهم أَتبَاع الْأَنْبِيَاء، كَمَا قَالَ فِي قصَّة نوح: ﴿واتبعك الأرذلون﴾ وروى: " أَن هِرقل سَأَلَ أَبَا سُفْيَان بن حَرْب - حِين قدم عَلَيْهِ - عَن حَال النَّبِي، فَكَانَ فِيمَا سَأَلَهُ عَنهُ أَنه قَالَ: من أَتْبَاعه ضُعَفَاؤُهُمْ أم الْعلية؟ فَقَالَ أَبُو سُفْيَان: بل ضُعَفَاؤُهُمْ؛ فَقَالَ هِرقل: هم أَتبَاع الْأَنْبِيَاء " وَفِي الْخَبَر قصَّة، وَهُوَ فِي الصَّحِيح.