﴿يَوْم حَصَاده وَلَا تسرفوا إِنَّه لَا يحب المسرفين (١٤١) وَمن الْأَنْعَام حمولة وفرشا كلوا﴾ رَاجع إِلَى مَا سبق ذكره من الْكَرم، وَالنَّخْل، وَالْأَشْجَار، فَإِن بَعْضهَا يشبه بَعْضًا فِي الْوَرق وَالثَّمَر والطعم، وَمِنْهَا مَا يُخَالف بعضه بَعْضًا.
﴿كلوا من ثمره إِذا أثمر﴾ هَذَا أَمر إِبَاحَة ﴿وَآتوا حَقه يَوْم حَصَاده﴾ والقطاف، وَيقْرَأ: " حَصَاده " بِكَسْر الْحَاء، قيل: الْحَصاد والحصاد وَاحِد، كالجزاء وَالْجَزَاء، والقطاف والقطاف، ثمَّ اخْتلف الْعلمَاء فِي هَذَا الْحق مَا هُوَ؟ قَالَ ابْن عمر، وَأَبُو الدَّرْدَاء - وَهُوَ قَول عَطاء وَمُجاهد -: إِن هَذَا الْحق كَانَ حَقًا فِي المَال سوى الْعشْر الْمَفْرُوض، وَأمر بإتيانه.
قَالَ ابْن عَبَّاس، وَأنس - وَهُوَ قَول الْحسن فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ -: إِنَّه أَرَادَ بِهِ إيتَاء الْعشْر الْمَفْرُوض، وَعَن الْحسن - فِي رِوَايَة أُخْرَى وَهُوَ قَول النَّخعِيّ، وَسَعِيد بن جُبَير -: أَن هَذَا حق كَانَ يُؤمر بإتيانه فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام، ثمَّ صَار مَنْسُوخا بِإِيجَاب الْعشْر، وَالْقَوْل الأول أولى؛ لِأَن الْآيَة مَكِّيَّة، وَالزَّكَاة فرضت من بعد بِالْمَدِينَةِ، فَحَمله على حق سوى الزَّكَاة أولى.
﴿وَلَا تسرفوا﴾ أَي: لَا تنفقوا الْأَمْوَال فِي مَعْصِيّة الله، وكل من أنْفق فِي مَعْصِيّة فَهُوَ مُسْرِف، وَقيل: هُوَ إِعْطَاء الْكل، وَذَلِكَ أَن يعمد الرجل إِلَى جَمِيع زرعه ونخله فيعطي الْكل، وَيتْرك عِيَاله عَالَة. وروى: " أَن ثَابت بن قيس بن شماس صرم خَمْسمِائَة نَخْلَة كَانَت لَهُ، فَأعْطى الْكل؛ فَنزلت الْآيَة ﴿وَلَا تسرفوا إِنَّه لَا يحب المسرفين﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَمن الْأَنْعَام حمولة وفرشا﴾ أَي: وَأَنْشَأَ من الْأَنْعَام حمولة وفرشا، قَالَ مُجَاهِد: الحمولة: الْإِبِل الْكِبَار الَّتِي يحمل عَلَيْهَا، والفرش: الصغار، وَقَالَ الضَّحَّاك: الحمولة: الْإِبِل وَالْبَقر، والفرش: [الْغنم]، قَالَ الشَّاعِر: