﴿وَرَحْمَة لَعَلَّهُم بلقاء رَبهم يُؤمنُونَ (١٥٤) وَهَذَا كتاب أَنزَلْنَاهُ مبارك فَاتَّبعُوهُ وَاتَّقوا لَعَلَّكُمْ ترحمون (١٥٥) أَن تَقولُوا إِنَّمَا أنزل الْكتاب على طائفتين من قبلنَا وَإِن كُنَّا عَن دراستهم لغافلين (١٥٦) أَو تَقولُوا لَو أَنا أنزل علينا الْكتاب لَكنا أهْدى مِنْهُم فقد جَاءَكُم بَينه من﴾ للتعقيب؟ قيل: مَعْنَاهُ: ثمَّ أخْبركُم أَنا آتَيْنَا مُوسَى الْكتاب.
﴿تَمامًا على الَّذِي أحسن﴾ قيل: أَرَادَ بِالَّذِي أحسن: مُوسَى، وَمَعْنَاهُ: انه كَمَا أحسن بِطَاعَة ربه وَاتِّبَاع أمره؛ أتممنا عَلَيْهِ النِّعْمَة وَالْإِحْسَان بإعطائه التَّوْرَاة.
وَقَالَ الْحسن: مَعْنَاهُ تَمامًا على الْمُحْسِنِينَ من قومه، وَكَانَ مِنْهُم محسن ومسيء، وَهَذَا معنى قِرَاءَة ابْن مَسْعُود: تَمامًا على الَّذين أَحْسنُوا، وَقَرَأَ يحيى بن يعمر: " على الَّذِي أحسن " أحسن، بِرَفْع النُّون، أَي: على الَّذِي هُوَ أحسن.
﴿وتفصيلا لكل شَيْء وَهدى وَرَحْمَة﴾ هَذَا فِي وصف التَّوْرَاة ﴿لَعَلَّهُم بلقاء رَبهم يُؤمنُونَ﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَهَذَا كتاب﴾ ثمَّ وصف الْقُرْآن ﴿أَنزَلْنَاهُ مبارك فَاتَّبعُوهُ﴾ وَقد بَينا معنى الْمُبَارك ( ﴿وَاتَّقوا لَعَلَّكُمْ ترحمون﴾
أَن تَقولُوا) أَي: كَرَاهَة أَن تَقولُوا، على قَول الْكُوفِيّين، وَأما على قَول الْبَصرِيين: تَقْدِيره: أَن لَا تَقولُوا: ﴿إِنَّمَا أنزل الْكتاب على طائفتين من قبلنَا﴾ يَعْنِي: الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿وَإِن كُنَّا﴾ أَي: وَقد كُنَّا ﴿عَن دراستهم لغافلين﴾ وَمعنى الْآيَة: أَنا إِنَّمَا أنزلنَا عَلَيْكُم الْقُرْآن؛ لِئَلَّا تَقولُوا: إِن الْكتاب أنزل على من قبلنَا بلغتهم ولسانهم فَلم نَعْرِف مَا فِيهِ، وغفلنا عَن دراسته؛ فتمهدون بذلك عذرا لأنفسكم، وَحجَّة على الله
﴿أَو تَقولُوا لَو أَنا أنزل علينا الْكتاب لَكنا أهْدى مِنْهُم﴾.
وَقد كَانَ جمَاعَة من الْكفَّار، قَالُوا ذَلِك: لَو أنزل علينا مَا أنزل على الْيَهُود وَالنَّصَارَى كُنَّا خيرا مِنْهُم وَأهْدى، يَقُول الله - تَعَالَى -: ﴿فقد جَاءَكُم بَيِّنَة من ربكُم وَهدى وَرَحْمَة﴾ يَعْنِي: قد جَاءَكُم الْقُرْآن؛ فَكَذَّبْتُمْ بِهِ، ثمَّ قَالَ: ﴿فَمن أظلم مِمَّن كذب بآيَات الله وصدف عَنْهَا﴾ أَي: أعرض عَنْهَا ﴿سنجزي الَّذين يصدفون﴾