﴿تذكرُونَ (٣) وَكم من قَرْيَة أهلكناها فَجَاءَهَا بأسنا بياتاً أَو هم قَائِلُونَ (٤) فَمَا كَانَ دَعوَاهُم إِذْ جَاءَهُم بأسنا إِلَّا أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظالمين (٥) فلنسئلن الَّذين أرسل إِلَيْهِم ولنسئلن الْمُرْسلين (٦) فلنقصن عَلَيْهِم بِعلم وَمَا كُنَّا غائبين (٧) وَالْوَزْن يَوْمئِذٍ﴾
قَالَه الفرزدق.
﴿فَجَاءَهَا بأسنا بياتا﴾ أَي: عذابنا بياتا ﴿أَو هم قَائِلُونَ﴾ وَتَقْدِيره: لَيْلًا وهم نائمون، أَو نَهَارا وهم قَائِلُونَ، من القيلولة.
قَالَ الزّجاج: " أَو هم قَائِلُونَ " أَو لتصريف الْعَذَاب، يَعْنِي: مرّة بِاللَّيْلِ، وَمرَّة بِالنَّهَارِ كَمَا بَينا، فَإِن قَالَ قَائِل: قد قَالَ: ﴿وَكم من قَرْيَة أهلكناها﴾ فَمَا معنى قَوْله: ﴿فَجَاءَهَا بأسنا﴾ وَكَيف يكون مَجِيء الْبَأْس بعد الإهلاك؟ قيل: معنى قَوْله: ﴿أهلكناها﴾ أَي: حكمنَا بإهلاكها؛ فَجَاءَهَا بأسنا، وَقيل: قَوْله: ﴿فَجَاءَهَا بأسنا﴾ هُوَ بَيَان قَوْله: ﴿أهلكناها﴾، وَقَوله: ﴿أهلكناها﴾ هُوَ قَوْله: ﴿فَجَاءَهَا بأسنا﴾ وَهَذَا مثل قَول الْقَائِل: أَعْطَيْتنِي فأحسنت إِلَيّ، لَا فرق بَينه وَبَين قَوْله: أَحْسَنت إِلَى مَا أَعْطَيْتنِي، وَأَحَدهمَا بَيَان للْآخر، كَذَلِك هَذَا.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿فَمَا كَانَ دَعوَاهُم﴾ أَي: دعاؤهم، قَالَ سِيبَوَيْهٍ: تَقول اللَّهُمَّ اجْعَلنِي فِي دَعْوَى الْمُسلمين، أَي: فِي دُعَاء الْمُسلمين فَقَوله: ﴿فَمَا كَانَ دَعوَاهُم إِذْ جَاءَهُم بأسنا إِلَّا أَن قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظالمين﴾ مَعْنَاهُ: لم يقدروا على رد الْعَذَاب حِين جَاءَهُم الْعَذَاب، وَكَانَ حَاصِل أَمرهم أَن اعْتَرَفُوا بالخيانة حِين لَا ينفع الِاعْتِرَاف.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿فلنسألن الَّذين أرسل إِلَيْهِم﴾ هَذَا سُؤال توبيخ، لَا سُؤال استعلام، يَعْنِي: نسألهم عَمَّا عمِلُوا فِيمَا بَلغهُمْ ﴿ولنسألن الْمُرْسلين﴾ عَن الإبلاغ
﴿فلنقصن عَلَيْهِم بِعلم﴾ أَي: نخبرهم بِمَا عمِلُوا عَن بَصِيرَة وَعلم.
﴿وَمَا كُنَّا غائبين﴾ فَإِنَّهُ - جلّ وَعلا - مَعَ كل أحد بِالْعلمِ وَالْقُدْرَة.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَالْوَزْن يَوْمئِذٍ الْحق﴾ قَالَ مُجَاهِد: مَعْنَاهُ: الْقَضَاء يَوْمئِذٍ بِالْحَقِّ وَالْعدْل، وَأكْثر الْمُفَسّرين على أَنه أَرَادَ بِهِ: الْوَزْن بالميزان الْمَعْرُوف، وَهُوَ حق، وَكَيف


الصفحة التالية
Icon