( ﴿١٤) قَالَ إِنَّك من المنظرين (١٥) قَالَ فبمَا أغويتني لأقعدن لَهُم صراطك الْمُسْتَقيم (١٦) ثمَّ لآتينهم من بَين أَيْديهم وَمن خَلفهم وَعَن أَيْمَانهم وَعَن شمائلهم وَلَا تَجِد﴾
﴿قَالَ أَنْظرنِي﴾ أَي: أمهلني ﴿إِلَى يَوْم يبعثون﴾ سَأَلَ المهلة إِلَى الْقِيَامَة،
﴿قَالَ إِنَّك من المنظرين﴾ فأنظره الله - تَعَالَى - وَهَذَا الإنظار إِلَى النفخة الأولى، كَمَا قَالَ فِي مَوضِع آخر مُقَيّدا: ﴿إِلَى يَوْم الْوَقْت الْمَعْلُوم﴾ وَأَرَادَ بِهِ: النفخة الأولى، فَإِن قيل: وَهل يجوز أَن يُجيب الله دَعْوَة الْكَافِر؛ حَيْثُ أجَاب دَعْوَة اللعين؟ قيل: يجوز على طَرِيق الاستدراج وَالْمَكْر والإملاء لَا على سَبِيل الْكَرَامَة.
﴿قَالَ فبمَا أغويتني﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: بِمَا أضللتني، وَقيل: بِمَا خيبتني، فالإغواء بِمَعْنى: الخيبة، قَالَ الشَّاعِر:

(فَمن يلق خيرا يحمد النَّاس أمره وَمن يغو لَا يعْدم على الغي لائما)
أَي: وَمن يخب لَا يعْدم على الخيبة لائما، وَقيل: مَعْنَاهُ: بِمَا دعوتني إِلَى مَا ضللت بِهِ ﴿لأقعدن لَهُم صراطك الْمُسْتَقيم﴾ أَي: على صراطك الْمُسْتَقيم، وَهُوَ صِرَاط الدّين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ثمَّ لآتينهم من بَين أَيْديهم وَمن خَلفهم﴾
روى سُفْيَان الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن الحكم بن عتيبة أَنه قَالَ: ﴿لآتينهم من بَين أَيْديهم﴾ يَعْنِي: من قبل الدُّنْيَا بِأَن أزينها فِي قُلُوبهم، فيغتروا بهَا ﴿وَمن خَلفهم﴾ أَي: من قبل الْآخِرَة، بِأَن أَقُول: لَا بعث، وَلَا جنَّة، وَلَا نَار ﴿وَعَن أَيْمَانهم﴾ من قبل الْحَسَنَات ﴿وَعَن شمائلهم﴾ من قبل السَّيِّئَات، وَقَالَ ابْن عَبَّاس - فِي رِوَايَة الْوَالِبِي عَنهُ -: لآتينهم من بَين أَيْديهم يَعْنِي: من قبل الْآخِرَة، وَمن خَلفهم (أَي) من قبل الدُّنْيَا، وَعَن أَيْمَانهم: أشبه عَلَيْهِم أَمر الدُّنْيَا، وَعَن شمائلهم: أشهى لَهُم ارْتِكَاب الْمعاصِي، قَالَ مُجَاهِد: أَرَادَ بِهِ لآتينهم من كل الجوانب، قَالَ قَتَادَة: لم يقل الْخَبيث: من فَوْقهم؛ لِأَن الرَّحْمَة تنزل عَلَيْهِم من فَوْقهم.


الصفحة التالية
Icon