﴿يفتننكم الشَّيْطَان كَمَا أخرج أبويكم من الْجنَّة ينْزع عَنْهُمَا لباسهما ليريهما سوءاتهما﴾
قَالَ القتيبي: يَعْنِي: الثِّيَاب لِبَاس التَّقْوَى؛ فَإِن من اتَّقى الله يطوف لابسا لَا عَارِيا، وَفِي الحَدِيث: " إِن لِبَاس التَّقْوَى هُوَ الْحيَاء " لِأَنَّهُ يبْعَث على التَّقْوَى، وَهُوَ قَول الْحسن،
قَالَ الشَّاعِر:

(إِنِّي كَأَنِّي أرى من لَا حَيَاء لَهُ وَلَا أَمَانَة وسط النَّاس عُريَانا)
قَالَ عِكْرِمَة: الْحيَاء وَالْإِيمَان فِي قرن وَاحِد، فَإِذا ذهب أَحدهمَا؛ تبعه الآخر، وَقَالَ قَتَادَة: لِبَاس التَّقْوَى: هوالإيمان، وَقَالَ عُثْمَان بن عَفَّان: لِبَاس التَّقْوَى: هُوَ السمت الْحسن، وَقَالَ عُرْوَة: هُوَ خشيَة الله، وَقيل: لِبَاس التَّقْوَى هَا هُنَا: لِبَاس الصُّوف، وَالثَّوْب (الخشن) الَّذِي يلْبسهُ أهل الْوَرع، وَقيل: هُوَ الْعَمَل الصَّالح.
﴿ذَلِك خير﴾ قيل: " ذَلِك " حِيلَة وَتَقْدِيره: ولباس التَّقْوَى خير، وَهَكَذَا قَرَأَهُ الْأَعْمَش، وَقيل: " ذَلِك " فِي مَوْضِعه، وَمَعْنَاهُ: ذَلِك الَّذِي ذكر من اللبَاس والريش، وكل مَا ذكر خير ﴿ذَلِك من آيَات الله لَعَلَّهُم يذكرُونَ﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿يَا بني آدم لَا يفتنتكم الشَّيْطَان كَمَا أخرج أبويكم من الْجنَّة﴾ أَي: لَا يضلنكم الشَّيْطَان، كَمَا فتن أبويكم فأخرجهما من الْجنَّة.
﴿ينْزع عَنْهُمَا لباسهما ليريهما سوءاتهما﴾ هُوَ مَا ذكرنَا من تهافت اللبَاس عِنْد أكلهَا من الشَّجَرَة، وَفِيه دَلِيل على أَنَّهُمَا مَا كَانَا يريان عورتهما من قبل؛ حَيْثُ قَالَ: ليريهما سوءاتهما وَاخْتلفُوا فِي ذَلِك اللبَاس الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمَا مَا هُوَ؟ قَالَ ابْن عَبَّاس: لباسهما كَانَ من الظفر؛ كَأَن الله - تَعَالَى - ألبسهما من جنس ظفرهما، وَقَالَ وهب بن مُنَبّه: كَانَ لباسا من النُّور.


الصفحة التالية
Icon