﴿يَحْزَنُونَ (٣٥) وَالَّذين كذبُوا بِآيَاتِنَا واستكبروا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ (٣٦) فَمن أظلم مِمَّن افترى على الله كذبا أَو كذب بآياته أُولَئِكَ ينالهم نصِيبهم من الْكتاب حَتَّى إِذا جَاءَتْهُم رسلنَا يتوفونهم قَالُوا أَيْن مَا كُنْتُم تدعون من دون الله قَالُوا ضلوا عَنَّا وشهدوا على أنفسهم أَنهم كَانُوا كَافِرين (٣٧) قَالَ ادخُلُوا فِي أُمَم قد خلت من قبلكُمْ من الْجِنّ وَالْإِنْس فِي النَّار كلما دخلت أمة لعنت أُخْتهَا حَتَّى إِذا﴾
وَفِيه قَول خَامِس مَعْرُوف: ينالهم نصِيبهم من الْعَذَاب الْمَذْكُور فِي الْكتاب؛ فَإِنَّهُ ذكر فِي الْكتاب عَذَاب الْفرق من الْكفَّار مثل: الْمُنَافِقين وَالْيَهُود، وَالنَّصَارَى، وَالْمُشْرِكين.
﴿حَتَّى إِذا جَاءَتْهُم رسلنَا يتوفونهم﴾ يَعْنِي: ملك الْمَوْت وأعوانه ﴿يتوفونهم﴾ أَي: يتوفون عدد آجالهم ﴿قَالُوا أَيْن مَا كُنْتُم تدعون من دون الله﴾ يَعْنِي: الرُّسُل يَقُولُونَ للْكفَّار: أَيْن الَّذين كُنْتُم تدعون من دون الله من الْأَصْنَام؟ ﴿قَالُوا ضلوا عَنَّا﴾ أَي: ذَهَبُوا وفاتوا عَنَّا ﴿وشهدوا على أنفسهم أَنهم كَانُوا كَافِرين﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿قَالَ ادخُلُوا فِي أُمَم﴾ يَعْنِي: مَعَ أُمَم، وَهُوَ مثل قَول امْرِئ الْقَيْس:

(وَهل ينعمن من كَانَ أقرب عَهده ثَلَاثِينَ شهرا فِي ثَلَاثَة أَحْوَال)
أَي: مَعَ ثَلَاثَة أَحْوَال: وَقيل: مَعْنَاهُ: ادخُلُوا بَين أُمَم (قد خلت) أَي: مَضَت ﴿من قبلكُمْ من الْجِنّ وَالْإِنْس فِي النَّار﴾ وَفِيه دَلِيل على أَن الْجِنّ يموتون كالإنس؛ خلافًا لقَوْل الْحسن، حَيْثُ قَالَ: لَا يموتون.
﴿كلما دخلت أمة لعنت أُخْتهَا﴾ قَالَ الْفراء: يَعْنِي: أُخْتهَا فِي الدّين لَا فِي النّسَب، يَعْنِي: يلعن الْيَهُود الْيَهُود، وَالنَّصَارَى النَّصَارَى.
﴿حَتَّى إِذا اداركوا﴾ أَي: تداركوا وتتابعوا واجتمعوا ﴿فِيهَا جَمِيعًا قَالَت أخراهم لأولاهم﴾ أَرَادَ بِهِ: أُخْرَى كل أمة، وَأولى كل أمة، وَقيل: أَرَادَ بِهِ: آخِرهم دُخُولا، وأولهم دُخُولا، وهم القادة مَعَ الأتباع؛ فَإِن القادة يدْخلُونَ أَولا.


الصفحة التالية
Icon