( ﴿٥٧) والبلد الطّيب يخرج نَبَاته بِإِذن ربه وَالَّذِي خبث لَا يخرج إِلَّا نكدا كَذَلِك نصرف الْآيَات لقوم يشكرون (٥٨) لقد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه فَقَالَ يَا قوم اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم عَظِيم (٥٩) قَالَ الْمَلأ من قومه إِنَّا لنراك فِي ضلال مُبين (٦٠) قَالَ يَا قوم لَيْسَ بِي ضَلَالَة وَلَكِنِّي رَسُول من رب الْعَالمين (٦١) أبلغكم رسالات رَبِّي وأنصح لكم وَأعلم من الله مَا لَا تعلمُونَ (٦٢) أَو عجبتم أَن جَاءَكُم ذكر من ربكُم على رجل مِنْكُم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون (٦٣) ﴾
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿والبلد الطّيب يخرج نَبَاته بِإِذن ربه﴾ ﴿وَالَّذِي خبث﴾ يَعْنِي: الأَرْض السبخة ﴿لَا يخرج إِلَّا نكدا﴾ أَي: نزرا قَلِيلا، قَالَ الشَّاعِر:

(فأعط مَا أَعْطيته طيبا لَا خير فِي المنكود والناكد)
وَهَذَا مثل ضربه الله - تَعَالَى - للْمُؤْمِنين وللكافرين؛ فَإِن الْمُؤمن يخرج مَا يخرج من نَفسه من الْإِيمَان والخيرات سهلا سَمحا، وَالْكَافِر يخرج مَا يخرج من الْخيرَات نزرا قَلِيلا ﴿كَذَلِك نصرف الْآيَات لقوم يشكرون﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿لقد أرسلنَا نوحًا إِلَى قومه فَقَالَ يَا قوم اعبدوا الله مَا لكم من إِلَه غَيره إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم عَظِيم﴾ ذكر فِي هَذِه الْآيَة قصَّة نوح وَقَومه، وَسَيَأْتِي.
﴿قَالَ الْمَلأ من قومه إِنَّا لنراك فِي ضلال مُبين، قَالَ يَا قوم لَيْسَ بِي ضَلَالَة وَلَكِنِّي رَسُول من رب الْعَالمين﴾ علم الله - تَعَالَى - النَّاس بِذكر قَوْله حسن الْجَواب، حَيْثُ قَالَ: " لَيْسَ بِي ضَلَالَة " وَلم يقل: أَنْتُم الضلال، كَمَا جرت عادتنا.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿أبلغكم رسالات رَبِّي وأنصح لكم﴾ النصح: هُوَ أَن يُرِيد لغيره من الْخَيْر مثل مَا يُرِيد لنَفسِهِ، وَمَعْنَاهُ: أرشدكم أَنِّي أُرِيد لنَفْسي مَا أُرِيد لكم ﴿وَأعلم من الله مَا لَا تعلمُونَ﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿أَو عجبتم أَن جَاءَكُم ذكر من ربكُم على رجل مِنْكُم لينذركم﴾ الْعجب: هُوَ تَغْيِير النَّفس عِنْد رُؤْيَة أَمر خَفِي عَلَيْهِ بَاطِنه {ولتتقوا ولعلكم ترحمون
فَكَذبُوهُ فأنجيناه وَالَّذين مَعَه فِي الْفلك) أَي: فِي السَّفِينَة.


الصفحة التالية
Icon