﴿إِنِّي اصطفيتك على النَّاس برسالاتي وبكلامي فَخذ مَا آتيتك وَكن من الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وكتبنا لَهُ فِي الألواح من كل شَيْء موعظة وتصفيلا لكل شَيْء فَخذهَا بِقُوَّة وَأمر قَوْمك﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا مُوسَى إِنِّي اصطفيتك على النَّاس برسالاتي وبكلامي﴾ فَإِن قَالَ قَائِل: قد أعْطى غَيره الرسالات، فَمَا معنى قَوْله: ﴿اصفيتك على النَّاس برسالاتي﴾ ؟ قيل: لما لم يكن إِعْطَاء الرسَالَة على الْعُمُوم فِي حق النَّاس، استقام قَوْله: ﴿اصطفيتك على النَّاس برسالاتي﴾ وَإِن شَاركهُ فِيهَا غَيره، وَهَذَا مثل قَول الرجل: خصصتك بمشورتي، وَإِن شاور غَيره، لَكِن لما تكن الْمُشَاورَة على الْعُمُوم؛ استقام الْكَلَام. ﴿فَخذ مَا آتيتك وَكن من الشَّاكِرِينَ﴾ لما أَنْعَمت عَلَيْك من إِعْطَاء الرسَالَة وَالْكَلَام، وَهَذِه الْآيَة فِي تَسْلِيَة مُوسَى - صلوَات الله عَلَيْهِ - حَيْثُ سَأَلَ الرُّؤْيَة فَلم يحظ بهَا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وكتبنا لَهُ فِي الألواح﴾ وَأَرَادَ بِهِ التَّوْرَاة، وَفِي الْخَبَر: " أَن الله - تَعَالَى - خلق آدم بِيَدِهِ، وَكتب التَّوْرَاة بِيَدِهِ، وغرس شَجَرَة طُوبَى بِيَدِهِ ".
وَاخْتلفُوا فِي تِلْكَ الألواح، قَالَ الْحسن: كَانَت الألواح من خشب، وَقَالَ مُجَاهِد: كَانَت من زبرجد أَخْضَر، وَقَالَ سعيد بن جُبَير: كَانَت من ياقوتة حَمْرَاء، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَة: كَانَت من برد. وَقيل: نزلت الألواح والتوراة مَكْتُوبَة عَلَيْهَا كنقش الْخَاتم.
﴿من كل شي موعظة﴾ أَي: تذكرة، وَحَقِيقَة الموعظة: هِيَ التَّذْكِير والتحذير مِمَّا يخَاف عاقبته. ﴿وتفصيلا لكل شَيْء﴾ أَي: بَيَانا للْحَلَال وَالْحرَام وَمَا أمروا بِهِ، وَمَا نهو عَنهُ ﴿فَخذهَا بِقُوَّة﴾ أَي: بجد واجتهاد، وَقيل مَعْنَاهُ: بِقُوَّة الْقلب.
﴿وَأمر قَوْمك يَأْخُذُوا بأحسنها﴾ قَالَ قطرب: أَي: بحسنها. وَاعْلَم أَن الْأَحْسَن مَا


الصفحة التالية
Icon