﴿ذَلِك قَوْلهم بأفواههم يضاهئون قَول الَّذين كفرُوا من قبل قَاتلهم الله أَنى يؤفكون (٣٠) اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله والمسيح ابْن مَرْيَم وَمَا أمروا﴾
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن النَّصَارَى قَالُوا فِي الْمَسِيح مَا قَالَت الْيَهُود فِي عُزَيْر، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿يضاهئون قَول الَّذين كفرُوا من قبل﴾.
﴿قَاتلهم الله﴾ قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: لعنهم الله، وَقيل: قَتلهمْ الله، كَمَا تَقول الْعَرَب: عافاه الله، أَي: أَعْفَاهُ الله.
وَفِيه قَول ثَالِث: أَن هَذِه كلمة تعجب، قَالَ الشَّاعِر:

(فيا قَاتل الله ليلى كَيفَ تعجبنى وَأخْبر النَّاس أَنى لَا أباليها)
وَلَيْسَ الْمَعْنى تَحْقِيق الْمُقَاتلَة؛ وَلكنه كلمة تعجب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أَنى يؤفكون﴾ مَعْنَاهُ: أَنى يصرفون، يُقَال: أَرض مأفوكة إِذا صرف عَنْهَا الْمَطَر، وَقَول مأفوك إِذا كَانَ مصروفا عَن الْحق.
قَوْله تَعَالَى ﴿اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله﴾ يُقَال: الْأَحْبَار من الْيَهُود، والرهبان من النَّصَارَى، وَقد بَينا فِيهَا أقوالا من قبل. فَإِن قَالَ قَائِل: إِنَّهُم لم يعبدوا الْأَحْبَار والرهبان، فأيش معنى قَوْله ﴿اتَّخذُوا أَحْبَارهم وَرُهْبَانهمْ أَرْبَابًا من دون الله﴾ ؟
قُلْنَا: مَعْنَاهُ: أَنهم استحلوا مَا أحلُّوا، وحرموا مَا حرمُوا؛ فَهَذَا معنى عباداتهم لَهُم. وَقد صَحَّ هَذَا الْمَعْنى بِرِوَايَة عدي بن حَاتِم، عَن النَّبِي.


الصفحة التالية
Icon