﴿سَبِيل الله فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم (٣٤)

(لَا در درى إِن أطعمت نازلهم قرف الحتى وَعِنْدِي الْبر مكنوز﴾
والحتى قَالُوا: هُوَ الْمقل.
وَاخْتلف أهل الْعلم فِي من نزلت هَذِه الْآيَة، قَالَ بَعضهم: نزلت فِي أهل الْكتاب، وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا نزلت فِي الْكل.
وَاخْتلفُوا فِي الْكَنْز، رُوِيَ عَن ابْن عمر، وَجَمَاعَة: أَن الْكَنْز كل مَال لم تُؤَد زَكَاته، وَأما الَّذِي أدّيت زَكَاته فَلَيْسَ بكنز، وَإِن كَانَ مَدْفُونا. وَعَن عَليّ - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: أَرْبَعَة آلَاف دِرْهَم نَفَقَة وَمَا فَوْقهَا كنز. وَقَالَ بَعضهم: مَا فضل عَن الْحَاجة فَهُوَ كنز.
وَقَوله: ﴿وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيل الله﴾ فَإِن سَأَلَ سَائل وَقَالَ: إِنَّه تقدم ذكر الذَّهَب وَالْفِضَّة جَمِيعًا، فَكيف قَالَ: وَلَا يُنْفِقُونَهَا، وَلم يقل: وَلَا ينفقونهما؟
الْجَواب عَنهُ من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن الْمَعْنى: وَلَا يُنْفقُونَ الْكُنُوز فِي سَبِيل الله.
وَالثَّانِي: أَن معنى الْآيَة: يكنزون الذَّهَب وَلَا ينفقونه، ويكنزون الْفضة وَلَا يُنْفِقُونَهَا، فَاكْتفى بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر، قَالَ الشَّاعِر:
(نَحن بِمَا عندنَا وَأَنت بِمَا عنْدك رَاض والرأي مُخْتَلف)
مَعْنَاهُ: نَحن بِمَا عندنَا راضون، وَأَنت بِمَا عنْدك رَاض. وَفِي مثل هَذَا قَول الشَّاعِر:
(إِن شرخ الشَّبَاب وَالشعر الْأسود مَا لم يعاض كَانَ جنونا)
يَعْنِي: مَا لم يعاضيا.
قَوْله: ﴿فبشرهم بِعَذَاب أَلِيم﴾ مَعْنَاهُ: ضع هَذَا الْوَعيد مَوضِع الْبشَارَة، وَإِلَّا فالوعيد لَا يكون بِشَارَة حَقِيقَة.


الصفحة التالية
Icon