﴿ابْتَغوا الْفِتْنَة من قبل وقلبوا لَك الْأُمُور حَتَّى جَاءَ الْحق وَظهر أَمر الله وهم كَارِهُون (٤٨) وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني أَلا فِي الْفِتْنَة سقطوا وَإِن جَهَنَّم لمحيطة بالكافرين (٤٩) إِن تصبك حَسَنَة تسؤهم وَإِن تصبك مُصِيبَة يَقُولُوا قد أَخذنَا﴾
﴿وَالله عليم بالظالمين﴾ مَعْنَاهُ مَعْلُوم. فَإِن قَالَ قَائِل: قد قَالَ فِي أول الْآيَة: ﴿مازادوكم إِلَّا خبالا﴾ وَكَانَ النَّبِي وَأَصْحَابه فِي خبال حَتَّى يزِيدُوا؟
الْجَواب: إِن معنى الْآيَة: مازادوكم قُوَّة؛ بل طلبُوا لكم الخبال.
قَوْله تَعَالَى: ﴿لقد ابْتَغوا الْفِتْنَة من قبل﴾ الْآيَة، الابتغاء: الطّلب، والفتنة: إِيقَاع الِاخْتِلَاف الْمُؤَدِّي إِلَى تَفْرِيق الْكَلِمَة. وَقَوله ﴿وقلبوا لَك الْأُمُور﴾ وَمَعْنَاهُ: صرفُوا لَك الْأُمُور وأرادوها ظهرا لبطن وبطنا لظهر، وَحَقِيقَة الْمَعْنى: أَنهم طلبُوا بِكُل حِيلَة إِفْسَاد أَمرك ﴿حَتَّى جَاءَ الْحق وَظهر أَمر الله وهم كَارِهُون﴾ مَعْنَاهُ مَعْلُوم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمِنْهُم من يَقُول ائْذَنْ لي وَلَا تفتني﴾ أَكثر الْمُفَسّرين أَن هَذِه الْآيَة نزلت فِي رجل من الْمُنَافِقين يُقَال لَهُ: الْجد بن قيس قَالَ لَهُ رَسُول الله: " هَل لَك فِي جلاد بني الْأَصْفَر - يَعْنِي الرّوم - لَعَلَّك تصيب مِنْهُم سرارى. قَالَ رَسُول الله حثا لَهُ على الْخُرُوج، فَقَالَ: يَا رَسُول الله، ائْذَنْ لي - يَعْنِي: فِي التَّخَلُّف - وَلَا تفتني - يَعْنِي: بنساء الرّوم - قَالَ: قومِي علمُوا أَنِّي بِالنسَاء مغرم، يَعْنِي: معجب ".
وَهَذَا أحد الْقَوْلَيْنِ فِي قَوْله: ﴿وَلَا تفتني﴾.
وَالْقَوْل الثَّانِي: إِن مَعْنَاهُ: لَا تؤثمني، قَالَ قَتَادَة، وَمَعْنَاهُ: لَا تسمنى لِلْخُرُوجِ، وَالْخُرُوج عسير عَليّ فأتخلف فأقع فِي الْإِثْم.


الصفحة التالية
Icon