﴿يغْفر الله لَهُم ذَلِك بِأَنَّهُم كفرُوا بِاللَّه وَرَسُوله وَالله لَا يهدي الْقَوْم الْفَاسِقين (٨٠) فَرح الْمُخَلفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خلاف رَسُول الله وكرهوا أَن يجاهدوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله وَقَالُوا لَا تنفرُوا فِي الْحر قل نَار جَهَنَّم أَشد حرا لَو كَانُوا يفقهُونَ (٨١) فليضحكوا قَلِيلا وليبكوا كثيرا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَإِن﴾
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَرح الْمُخَلفُونَ﴾ الْفَرح: لَذَّة فِي الْقلب بنيل المشتهى، وَالْغَم: ضيق فِي الْقلب بِفَوَات المشتهى. وَأما الْمُخَلفُونَ فهم الَّذين قعدوا عَن الْغَزْو، وَتركُوا الْخُرُوج مَعَ رَسُول الله. والمخلف: الْمَتْرُوك. وَقَوله: ﴿بِمَقْعَدِهِمْ﴾ يَعْنِي: بقعودهم. وَقَوله: ﴿خلاف رَسُول الله﴾ فِيهِ مَعْنيانِ: أَحدهمَا: مُخَالفَة لرَسُول الله. وَالثَّانِي: بِمَقْعَدِهِمْ خلاف رَسُول الله أَي: بعد رَسُول الله، قَالَه أَبُو عُبَيْدَة ﴿وكرهوا أَن يجاهدوا بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم فِي سَبِيل الله﴾ المجاهدة بِالْمَالِ: هِيَ الْإِنْفَاق، والمجاهدة بِالنَّفسِ: هِيَ مُبَاشرَة الْقِتَال، وَقَوله: ﴿وكرهوا﴾ يَعْنِي: لم يُحِبُّوا ﴿وَقَالُوا لَا تنفرُوا فِي الْحر﴾ الْحر: هُوَ وهج الشَّمْس، وَالْبرد ضِدّه. ﴿قل نَار جَهَنَّم أَشد حرا﴾ يَعْنِي: أَشد وهجا ﴿لَو كَانُوا يفقهُونَ﴾ قَرَأَ ابْن مَسْعُود: " لَو كَانُوا يعلمُونَ ". وَالْمعْنَى وَاحِد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فليضحكوا قَلِيلا وليبكوا كثيرا﴾ الضحك: حَالَة تكون فِي الْإِنْسَان من التَّعَجُّب والفرح، والبكاء حَالَة تعتري الْإِنْسَان من الْهم وضيق الْقلب مَعَ جَرَيَان الدمع على الخد، وَيُقَال: إِن الضحك فِي بني آدم كالصهيل فِي الْخَيل.
وَفِي الْآيَة قَولَانِ: أَحدهمَا: أَن معنى قَوْله: ﴿فليضحكوا قَلِيلا﴾ أَي: فِي الدُّنْيَا ﴿وليبكوا كثيرا﴾ فِي الْآخِرَة ﴿جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ﴾ قَالَه أَبُو رزين، وَالْحسن وَجَمَاعَة.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن هَذَا أَمر بِمَعْنى الْخَبَر، فَكَأَنَّهُ قَالَ: يَضْحَكُونَ قَلِيلا، ويبكون كثيرا، يَعْنِي: فِي الْآخِرَة.
فَإِن قَالَ قَائِل: كَيفَ قَالَ: يَضْحَكُونَ قَلِيلا وهم لَا يَضْحَكُونَ أصلا فِي الْآخِرَة؟
الْجَواب: قُلْنَا: معنى قَوْله: يَضْحَكُونَ قَلِيلا يَعْنِي: لَا يَضْحَكُونَ أصلا، وَهَذَا مثل


الصفحة التالية
Icon