﴿وظنوا أَن لَا ملْجأ من الله إِلَّا إِلَيْهِ ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم ليتوبوا إِن الله هُوَ التواب الرَّحِيم (١١٨) يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين (١١٩) مَا كَانَ لأهل الْمَدِينَة وَمن حَولهمْ من الْأَعْرَاب أَن يتخلفوا عَن رَسُول الله وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفسِهِم﴾
وَقَوله تَعَالَى: ﴿وظنوا أَن لَا ملْجأ من الله إِلَّا إِلَيْهِ﴾ مَعْنَاهُ: وظنوا: تيقنوا أَن لَا مفزع وَلَا منجا من الله إِلَّا إِلَيْهِ. وَقَوله تَعَالَى: ﴿ثمَّ تَابَ عَلَيْهِم ليتوبوا﴾ يَعْنِي: ليستقيموا على التَّوْبَة ويثبتوا عَلَيْهَا، فَإِن تَوْبَتهمْ قد سبقت ﴿إِن الله هُوَ التواب الرَّحِيم﴾ مَعْلُوم الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقين﴾ قَالَ الضَّحَّاك: مَعَ مُحَمَّد وَأَصْحَابه.
وَرُوِيَ عَن بَعضهم أَنه قَالَ: مَعَ الصَّادِقين أَي: مَعَ أبي بكر وَعمر. وَعَن بَعضهم: مَعَ الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة. وَقَالَ بَعضهم: إِن الصَّادِقين هَاهُنَا الثَّلَاثَة الَّذين سبق ذكرهم؛ فَإِنَّهُم صدقُوا النَّبِي بالاعتراف بالذنب، وَلم يعتذروا بالأعذار الكاذبة مثل الْمُنَافِقين. فَروِيَ عَن كَعْب بن مَالك قَالَ: مَا أبلاني الله ببلاء أعظم عِنْدِي من صدقي رَسُول الله فَإِنَّهُ من شكري عَلَيْهَا أَن لَا أكذب أبدا. وَرُوِيَ عَن عبد الله بن مَسْعُود أَنه قَالَ: لَا يصلح الْكَذِب فِي جد وَلَا هزل، وَقَرَأَ هَذِه الْآيَة. وَيُقَال: إِن فِي قِرَاءَته: " وَكُونُوا من الصَّادِقين ".
قَوْله تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ لأهل الْمَدِينَة وَمن حَولهمْ من الْأَعْرَاب أَن يتخلفوا عَن رَسُول الله﴾ الْآيَة، مَعْنَاهَا: هُوَ النَّهْي عَن التَّخَلُّف. وَقَوله: ﴿وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفسِهِم عَن نَفسه﴾ مَعْنَاهُ: مَا كَانَ لَهُم أَن يختاروا الْخَفْض والدعة، ويتركوا رَسُول الله فِي شدَّة السّفر ومقساة التَّعَب. ثمَّ قَالَ: ﴿ذَلِك بِأَنَّهُم لَا يصيبهم ظمأ﴾ الظمأ: الْعَطش ﴿وَلَا نصب﴾ النصب: التَّعَب ﴿وَلَا مَخْمَصَة﴾ وَهِي المجاعة ﴿فِي سَبِيل الله﴾ فِي الْجِهَاد. وَقَوله: ﴿وَلَا يطئون موطئا﴾ يَعْنِي: لَا يَضعن قدما ﴿يغِيظ الْكفَّار﴾ أَي: يغضبهم ﴿وَلَا ينالون من عَدو نيلا﴾ يَعْنِي: لَا يصيبون مِنْهُم شَيْئا فِي نفس أَو مَال ﴿إِلَّا كتب لَهُم بِهِ عمل صَالح إِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ﴾ مَعْلُوم الْمَعْنى.


الصفحة التالية
Icon