﴿عَن نَفسه ذَلِك بِأَنَّهُم لَا يصيبهم ظمأ وَلَا نصب وَلَا مَخْمَصَة فِي سَبِيل الله وَلَا يطئون موطئا يغِيظ الْكفَّار وَلَا ينالون من عَدو نيلا إِلَّا كتب لَهُم بِهِ عمل صَالح إِن الله لَا يضيع أجر الْمُحْسِنِينَ (١٢٠) وَلَا يُنْفقُونَ نَفَقَة صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة وَلَا يقطعون وَاديا إِلَّا كتب لَهُم لِيَجْزِيَهُم الله أحسن مَا كَانُوا يعْملُونَ (١٢١) وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ﴾
ثمَّ قَالَ: ﴿وَلَا يُنْفقُونَ نَفَقَة صَغِيرَة وَلَا كَبِيرَة﴾ يَعْنِي: قَلِيلا وَلَا كثيرا، قيل فِي التَّفْسِير: حَتَّى التمرة ﴿وَلَا يقطعون وَاديا﴾ أَي: لَا يعبرون وَاديا مُقْبِلين ومدبرين ﴿إِلَّا كتب لَهُم﴾ أَي: أثيبوا على ذَلِك ﴿لِيَجْزِيَهُم الله أحسن مَا كَانُوا يعْملُونَ﴾ مَعْنَاهُ مَعْلُوم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لينفروا كَافَّة﴾ الْآيَة، وفيهَا قَولَانِ:
أَحدهمَا: " أَن النَّبِي كَانَ يبْعَث بالسرايا بعد غَزْوَة تَبُوك، فَكَانَ النَّاس يخرجُون جَمِيعهم لعظم مَا أَصَابَهُم من التعيير والملامة فِي التَّخَلُّف، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة ". قَالَ قَتَادَة: هَذَا فِي السَّرَايَا، فَأَما إِذا خرج الرَّسُول بِنَفسِهِ فَعَلَيْهِم أَن يخرجُوا جَمِيعًا مَعَه.
وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن النَّبِي كَمَا دَعَا على مُضر، وَقَالَ: " اللَّهُمَّ اجْعَل سنيهم كَسِنِي يُوسُف، قَالَ: فَأَصَابَهُمْ قحط شَدِيد وجدب، فَجعلت الْقَبِيلَة تقبل إِلَى الْمَدِينَة بأجمعهم وَيَقُولُونَ: أسلمنَا، فَكَانُوا يضيقون على أهل الْمَدِينَة مَنَازِلهمْ ويلوثون الطرقات، فَأنْزل الله تَعَالَى هَذِه الْآيَة، فردهم رَسُول الله إِلَى قبائلهم ". وَقَوله: ﴿فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة﴾ مَعْنَاهُ: هلا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة، فعلى الأول معنى الْآيَة: هُوَ النَّهْي عَن ترك رَسُول الله وَحده. وَقَوله: ﴿ليتفقهوا فِي الدّين﴾ يَعْنِي: ليحضروا نزُول الْقُرْآن وَبَيَان السّنَن ﴿ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم﴾ مَعْنَاهُ: ليعلموا السّريَّة إِذا رجعُوا إِلَيْهِم مَا نزل من الْقُرْآن وَالسّنَن.
وعَلى القَوْل الثَّانِي معنى الْآيَة: مَا كَانَ لأهل الْقَبَائِل أَن ينفروا جَمِيعًا إِلَى الْمَدِينَة


الصفحة التالية
Icon