﴿كل عَام مرّة أَو مرَّتَيْنِ ثمَّ لَا يتوبون وَلَا هم يذكرُونَ (١٢٦) وَإِذا مَا أنزلت سُورَة نظر بَعضهم إِلَى بعض هَل يراكم من أحد ثمَّ انصرفوا صرف الله قُلُوبهم بِأَنَّهُم قوم لَا يفقهُونَ (١٢٧) لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم حَرِيص﴾ يراهم الْمُؤْمِنُونَ، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿هَل يراكم من أحد﴾ ثمَّ قَالَ: ﴿ثمَّ انصرفوا﴾ فِيهِ مَعْنيانِ: أَحدهمَا: انصرفوا عَن مواضعهم، وَالْآخر: انصرفوا عَن الْإِيمَان، أَي: لم يُؤمنُوا وَلم يقبلُوا.
وَقَوله: ﴿صرف الله قُلُوبهم﴾ قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج: أضلهم الله مجازاة على كفرهم ﴿بِأَنَّهُم قوم يفقهُونَ﴾ مَعْلُوم الْمَعْنى.
قَوْله تَعَالَى: ﴿لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم﴾ قرىء فِي الشاذ: من أَنفسكُم، وَيُقَال: إِن هَذِه الْقِرَاءَة قِرَاءَة فاطمه - رَضِي الله عَنْهَا - قَالَ يَعْقُوب الْحَضْرَمِيّ: طلبت هَذَا الْحَرْف خمسين سنة فَلم أجد لَهُ رَاوِيا. وَمعنى هَذَا: أشرفكم وأفضلكم.
وَالْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة: ﴿من أَنفسكُم﴾ قَالَ قتاده: وَمَعْنَاهُ: إِن نسبه مَعْرُوف بَيْنكُم
وَالْقَوْل الثَّانِي: حكى عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد - رَضِي الله عَنهُ - أَنه قَالَ: ﴿من أَنفسكُم﴾ مَعْنَاهُ: أَنه لم يُولد إِلَّا من نِكَاح صَحِيح إِلَى زمَان آدم.
وَالْقَوْل الثَّالِث: حكى عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: مَعْنَاهُ: أَنه لَيْسَ بطن من بطُون الْعَرَب إِلَّا وَقد ولدت النَّبِي.
وَالْقَوْل الرَّابِع: أَن معنى هَذَا هُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿قل إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ﴾ وَإِذا كَانَ الرَّسُول بشرا مثل الْقَوْم؛ فَيكون أقرب للألفة وَأدنى لفهم الحجه.
وَقَوله: ﴿عَزِيز عَلَيْهِ مَا عنتم﴾ أَي: شَدِيد عَلَيْهِ عنتكم، والعنت: هُوَ الْمَكْرُوه ولقاء الشده، كانه قَالَ: شَدِيد عَلَيْهِ مَا يضركم ويهلككم، وَهُوَ الْكفْر الَّذِي أَنْتُم عَلَيْهِ.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿حَرِيص عَلَيْكُم﴾ الْحِرْص: شدَّة طلب الشىء، وَمَعْنَاهُ: حَرِيص


الصفحة التالية
Icon