﴿أنزلنَا التَّوْرَاة فِيهَا هدى وَنور يحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا للَّذين هادوا والربانيون والأحبار بِمَا استحفظوا من كتاب الله وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلَا تخشوا النَّاس واخشون﴾ الْعَالمين) أَي: سلمت لأمر رب الْعَالمين، وَأَرَادَ بِهِ: النَّبِيين الَّذين بعثوا بعد مُوسَى؛ ليحكموا على حكم التَّوْرَاة، وَقَوله: ﴿للَّذين هادوا﴾ فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير، وَتَقْدِيره: فِيهَا هدى، وَنور للَّذين هادوا، ثمَّ قَالَ: ﴿يحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا والربانيون﴾ وَقيل: هُوَ على مَوْضِعه، وَمَعْنَاهُ: يحكم بهَا النَّبِيُّونَ الَّذين أَسْلمُوا على الَّذين هادوا، وَهُوَ مثل قَوْله: ﴿أُولَئِكَ لَهُم اللَّعْنَة﴾ أَي: عَلَيْهِم اللَّعْنَة، وَقَالَ لعَائِشَة: " اشترطي لَهُم الْوَلَاء " أَي: عَلَيْهِم الْوَلَاء كَذَا قَالَ النّحاس، وَقيل: فِيهِ حذف، كَأَنَّهُ قَالَ: للَّذين هادوا على الَّذين هادوا؛ فَحذف أَحدهمَا؛ اختصارا ﴿والربانيون﴾ قَالَ أَبُو رزين: هم الْعلمَاء الْحُكَمَاء، وأصل الرباني: رب الْعلم، فزيد فِيهِ الْألف وَالنُّون؛ للْمُبَالَغَة، وَقيل: الربانيون من النَّصَارَى، والأحبار من الْيَهُود، وَقيل: كِلَاهُمَا من الْيَهُود، والربانيون فَوق الْأَبَّار. قَالَ الْمبرد: والأحبار: مَأْخُوذ من التحبير، وَهُوَ التحسين، وَمِنْه الحَدِيث: " يخرج من النَّار رجل قد ذهب حبره وسبره " أَي حسنه وجماله، وَقيل: هُوَ من التحبير بِمَعْنى التَّأْثِير، وَمِنْه الحبر، فَسمى الْعَالم: حبرًا؛ لتأثير علمه فِيهِ وَفِي غَيره، كَأَنَّهُ الْعَالم الْعَامِل، والحبر والحبر وَاحِد، وَجمعه الْأَحْبَار، قَالَ الْفراء: وَأكْثر مَا سَمِعت: الحبر - بِكَسْر الْحَاء - وَجمعه أَحْبَار.
﴿مَا استحفظوا﴾ أَي: بِمَا استودعوا ﴿من كتاب الله وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلَا تخشوا النَّاس واخشون وَلَا تشتروا بآياتي ثمنا قَلِيلا﴾.


الصفحة التالية
Icon