﴿الصَّادِقين (٣٢) قَالَ إِنَّمَا يأتيكم بِهِ الله إِن شَاءَ وَمَا أَنْتُم بمعجزين (٣٣) وَلَا ينفعكم نصحي إِن أردْت أَن أنصح لكم إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم هُوَ ربكُم وَإِلَيْهِ ترجعون (٣٤) أم يَقُولُونَ افتراه قل إِن افتريته فعلي إجرامي وَأَنا بَرِيء مِمَّا تجرمون (٣٥) ﴾
وَالْفرق بَين المراء والمجادلة: أَن الْمَرْء مَذْمُوم؛ لِأَنَّهُ خُصُومَة بعد ظُهُور الْحق، والجدال غير مَذْمُوم، اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُبَالغ فِيهِ من غير قصد طلب الْحق.
وَقَوله تَعَالَى: ﴿فأتنا بِمَا تعدنا إِن كنت من الصَّادِقين﴾ هَذَا دَلِيل على أَنه كَانَ وعدهم الْعَذَاب إِن لم يُؤمنُوا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿قَالَ إِنَّمَا يأتيكم بِهِ الله إِن شَاءَ﴾ يَعْنِي: بِالْعَذَابِ. وَقَوله: ﴿وَمَا أَنْتُم بمعجزين﴾ أَي: بفائتين وَلَا هاربين.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا ينفعكم نصحي﴾ والنصح: إخلاص الْعَمَل عَن الْفساد. وَقيل: إِنَّه بَيَان مَوضِع الغي ليجتنب، وَبَيَان مَوضِع الرشد ليطلب. وَقَوله: ﴿إِن أردْت أَن أنصح لكم﴾ أَرَادَ مُوَافقَة لأمر الله. وَقَوله: ﴿إِن كَانَ الله يُرِيد أَن يغويكم﴾ أَكثر الْمُفَسّرين على أَن مَعْنَاهُ: يضلكم. وَقيل: يخلق الغي فِي قُلُوبكُمْ، والغي ضد الرشد. وَذكر مُحَمَّد بن جرير الطَّبَرِيّ أَن معنى قَوْله: ﴿يغويكم﴾ : يهلككم. وَلم يرض ابْن الْأَنْبَارِي هَذَا من حَيْثُ اللُّغَة، وَقَالَ: لَا يَسْتَقِيم فِي اللُّغَة أَن يذكر الإغواء بِمَعْنى الإهلاك. وَقَالَ بَعضهم: يخيبكم من رَحمته.
وَقَوله: ﴿هُوَ ربكُم وَإِلَيْهِ ترجعون﴾ ظَاهر الْمَعْنى، وَفِي الْآيَة رد على الْقَدَرِيَّة.
قَوْله تَعَالَى: ﴿أم يَقُولُونَ افتراه﴾ بل يَقُولُونَ: افتراه أَي: اختلقه. وَقَوله: ﴿قل إِن افتريته فعلي إجرامي﴾ قرئَ فِي الشاذ: " قعلي أجرامي " بِالْفَتْح، والأجرام: جمع الجرم، والإجرام: هُوَ كسب الذَّنب، وَمعنى الْآيَة: فعلي وبال ذَنبي وجرمي. وَقَوله: ﴿وَأَنا برِئ مِمَّا تجرمون﴾ يَعْنِي: أَنا برِئ مِمَّا تكتسبون من الذَّنب.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأوحى إِلَى نوح﴾ روى الضَّحَّاك عَن ابْن عَبَّاس: أَن قوم نوح كَانُوا يضْربُونَ نوحًا حَتَّى [يسْقط]، فيلقونه فِي لبد ويلقونه فِي بَيته ويظنون أَنه قد