﴿ويصنع الْفلك وَكلما مر عَلَيْهِ مَلأ من قومه سخروا مِنْهُ قَالَ إِن تسخروا منا فَإنَّا نسخر مِنْكُم كَمَا تسخرون (٣٨) فَسَوف تعلمُونَ من يَأْتِيهِ عَذَاب يخزيه وَيحل عَلَيْهِ عَذَاب﴾ عمل السَّفِينَة فِي أَرْبَعمِائَة سنة. ذكر فِي بعض التفاسير، وَالْمَعْرُوف الأول.
وَقَوله: ﴿وَكلما مر عَلَيْهِ مَلأ من قومه سخروا مِنْهُ﴾ قَالَ أهل التَّفْسِير: كَانُوا إِذا مروا عَلَيْهِ قَالُوا: إِن هَذَا الَّذِي كَانَ يزْعم أَنه نَبِي قد صَار نجارا.
وَرُوِيَ أَنهم كَانُوا يَقُولُونَ لَهُ: يَا نوح، مَا تصنع؟ فَيَقُول: أصنع بَيْتا يمشي على المَاء، فيضحكون ويتعجبون مِنْهُ.
وَفِي بعض التفاسير عَن ابْن عَبَّاس: أَنهم لم يَكُونُوا رَأَوْا بحرا قطّ وَلَا سفينة، وَإِنَّمَا الْبحار الْآن من بقايا الطوفان.
وَقَوله: ﴿قَالَ إِن تسخروا منا فَإنَّا نسخر مِنْكُم كَمَا تسخرون﴾ فَإِن قيل: كَيفَ يجوز أَن يسخر نَبِي من الْأَنْبِيَاء من قومه؟
الْجَواب: إِن هَذَا على وَجه ازدواج الْكَلَام، وَمَعْنَاهُ: إِن تستجهلوني فَإِنِّي أستجهلكم إِذا نزل الْعَذَاب. وَقيل مَعْنَاهُ: إِن تسخروا مني فسترون عَاقِبَة سخريتكم.
قَوْله تَعَالَى: ﴿فَسَوف تعلمُونَ من يَأْتِيهِ عَذَاب يخزيه﴾ هَذَا مُتَّصِل بقوله: ﴿فَسَوف تعلمُونَ﴾ وَمَعْنَاهُ: فَسَوف تعلمُونَ أَيّنَا ﴿يَأْتِيهِ عَذَاب يخزيه﴾ وَقيل: فَسَوف تعلمُونَ الَّذِي يَأْتِيهِ عَذَاب يخزيه، هَذَا وَمعنى قَوْله: " يخزيه ": يهلكه، وَقيل: يذله. وَقَوله ﴿وَيحل عَلَيْهِ عَذَاب مُقيم﴾ مَعْنَاهُ: ينزل عَلَيْهِ عَذَاب دَائِم، وَهُوَ الْغَرق.
قَوْله تَعَالَى: ﴿حَتَّى إِذا جَاءَ أمرنَا وفار التَّنور﴾ اخْتلفُوا فِي التَّنور على أَقْوَال: الْأَكْثَرُونَ على أَنه تنور الخابزة، هَذَا قَول ابْن عَبَّاس، وَمُجاهد، وَجَمَاعَة.
وَعَن عِكْرِمَة قَالَ: هُوَ وَجه الأَرْض. وَحكي هَذَا عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا. وَقَالُوا: كَأَن الله تَعَالَى جعل بَينه وَبَين نوح عَلامَة، وَقَالَ: إِذا رَأَيْت المَاء قد فار على وَجه الأَرْض فاركب السَّفِينَة.


الصفحة التالية
Icon