( ﴿٥٣) إِن نقُول إِلَّا اعتراك بعض آلِهَتنَا بِسوء قَالَ إِنِّي أشهد الله واشهدوا أَنِّي بَرِيء مِمَّا تشركون (٥٤) من دونه فكيدوني جَمِيعًا ثمَّ لَا تنْظرُون (٥٥) إِنِّي توكلت على الله رَبِّي وربكم مَا من دَابَّة إِلَّا هُوَ آخذ بناصيتها إِن رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم (٥٦) فَإِن﴾
والعاري هَاهُنَا هُوَ السَّائِل؛ سمي عَارِيا لِأَنَّهُ يطْلب الْإِصَابَة.
وَقَوله: ﴿بعض آلِهَتنَا بِسوء﴾ أَي: بلمم وخبل، كَأَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّك سببت آلِهَتنَا فانتقموا مِنْك بالتخبيل واللمم. وَقَوله: ﴿قَالَ إِنِّي أشهد الله واشهدوا أَنِّي بَرِيء مِمَّا تشركون من دونه﴾ فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ للْمُشْرِكين: ﴿واشهدوا﴾ وَلَا شَهَادَة لَهُم؟ قُلْنَا: هَذَا مَذْكُور على طَرِيق الْمُبَالغَة فِي الْحجَّة، لَا على طَرِيق إِثْبَات الشَّهَادَة لَهُم.
وَقَوله: ﴿فكيدوني جَمِيعًا ثمَّ لَا تنْظرُون﴾ الكيد: احتيال بشر. وَهَذَا القَوْل معْجزَة لهود صلوَات الله عَلَيْهِ فَإِنَّهُ أَمرهم أَن يحتالوا بِكُل حِيلَة لإيصال مَكْرُوه إِلَيْهِ، ومنعهم الله تَعَالَى عَن ذَلِك فَلم يقدروا عَلَيْهِ، وَهَذَا مثل قَول نوح فِي سُورَة يُونُس: ﴿فَأَجْمعُوا أَمركُم وشركاءكم ثمَّ لَا يكن أَمركُم عَلَيْكُم غمَّة ثمَّ اقضوا إِلَيّ وَلَا تنْظرُون﴾ وَقد بَينا تَفْسِيره.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِنِّي توكلت على الله رَبِّي وربكم﴾ مَعْنَاهُ: اعتمدت على الله رَبِّي وربكم. وَقَوله: ﴿مَا من دَابَّة إِلَّا هُوَ آخذ بناصيتها﴾ مَعْنَاهُ: مَا من دَابَّة إِلَّا وَهِي فِي قَبضته وتنالها قدرته، وَخص الناصية بِالذكر؛ لِأَن الإذلال والإقماء فِي أَخذ الناصية.
وَقَوله: ﴿إِن رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم﴾ فِيهِ أَقْوَال:
أَحدهَا: أَن مَعْنَاهُ: إِن رَبِّي يعْمل بِالْعَدْلِ، وَإِن كَانَ قَادِرًا على كل شَيْء، فَلَا يعْمل إِلَّا بِالْإِحْسَانِ وَالْعدْل.
وَالثَّانِي: ﴿إِن رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم﴾ مَعْنَاهُ: إِن دين رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم.
وَالثَّالِث: قَوْله ﴿إِن رَبِّي على صِرَاط مُسْتَقِيم﴾ هُوَ فِي معنى قَوْله: ﴿إِن رَبك لبالمرصاد﴾ يَعْنِي: إِنَّه على طَرِيق الْخلق أجمع.