﴿إِلَّا من رحم رَبك وَلذَلِك خلقهمْ وتمت كلمة رَبك لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ (١١٩) وكلا نقص عَلَيْك من أنباء الرُّسُل مَا نثبت بِهِ فُؤَادك وجاءك فِي﴾ النَّاس على دين وَاحِد.
وَقَوله: ﴿وَلَا يزالون مُخْتَلفين﴾ المُرَاد مِنْهُ: أهل الْبَاطِل كاليهود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس وَأهل الشّرك، وَكَذَلِكَ من خَالف السّنة من أهل الْقبْلَة.
وَقَوله: ﴿إِلَّا من رحم رَبك﴾ أَي: لَكِن من رحم رَبك، وهم أهل الْحق لَا يَخْتَلِفُونَ. وَقَوله: ﴿وَلذَلِك خلقهمْ﴾ فِيهِ أَقْوَال:
أَحدهَا: مَا رُوِيَ عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ: وللرحمة خلقهمْ. وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس. وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: وللاختلاف خلقهمْ. وَهُوَ أَيْضا مَرْوِيّ عَن ابْن عَبَّاس، وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ فِي رِوَايَة أُخْرَى: خلق أهل الْجنَّة للجنة، وَخلق أهل النَّار للنار، وَخلق أهل الشَّقَاء للشقاء، وَخلق أهل السَّعَادَة للسعادة.
وَقَالَ أَبُو عبيد الْقَاسِم بن سَلام: إِن الَّذِي أختاره فِي معنى الْآيَة: أَنه خلق فريقا للرحمة وفريقا للعذاب. قَالَ: وَعَلِيهِ أهل السّنة.
وَذكر بَعضهم: أَن مَقْصُود الْآيَة هُوَ أَن أهل الْبَاطِل مُخْتَلفُونَ، وَأهل الْحق متفقون، وَخلق أهل الْبَاطِل للِاخْتِلَاف، وَخلق أهل الْحق للاتفاق.
قَالَ النّحاس: وَهَذَا أبين الْأَقْوَال وأسرحها.
وَاسْتدلَّ أَبُو عبيد على مَا زعم من الْمَعْنى بقوله تَعَالَى: ﴿وتمت كلمة رَبك لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ﴾ قَالَ: وَمَعْنَاهُ: وَتمّ حكم رَبك لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ.
وَقد ثَبت عَن النَّبِي أَنه قَالَ - حاكيا عَن الله مُحَاجَّة الْجنَّة وَالنَّار، فَقَالَ للجنة: " أَنْت رَحْمَتي أرْحم بك من شِئْت من عبَادي، وَقَالَ للنار: أَنْت عَذَابي أعذب بك من شِئْت، وَلكُل وَاحِدَة مِنْكُمَا ملؤُهَا ".