بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ أحلّت لكم بَهِيمَة الْأَنْعَام إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُم غير﴾تَفْسِير سُورَة الْمَائِدَة
القَوْل فِي تَفْسِير سُورَة الْمَائِدَة قَالَ الشَّيْخ الإِمَام - رَضِي الله عَنهُ - سُورَة الْمَائِدَة مَدَنِيَّة كلهَا إِلَّا قَوْله تَعَالَى: ﴿الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ وَأَتْمَمْت عَلَيْكُم نعمتي ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا﴾ فَإِنَّهُ نزل بِعَرَفَات على مَا سنبين، وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: كلهَا محكمَة لم ينْسَخ مِنْهَا شَيْء. وَقَالَ الشّعبِيّ: لم ننسخ مِنْهَا شَيْء. إِلَّا قَوْله - تَعَالَى -: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تحلوا شَعَائِر الله﴾ على مَا سنبين.
وروى عَن أبي ميسرَة أَنه قَالَ: أنزل الله - تَعَالَى - فِي هَذِه السُّورَة ثَمَانِيَة عشر حكما لم ينزلها فِي سَائِر الْقُرْآن.
قَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ﴾ قد ذكرنَا أَن كل مَا فِي الْقُرْآن من قَوْله: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ فَإِنَّمَا نزل بِالْمَدِينَةِ، وكل مَا نزل من قَوْله: ﴿يَا أَيهَا النَّاس﴾ فَإِنَّمَا أنزل بِمَكَّة، وَعَن ابْن مَسْعُود أَنه قَالَ: إِذا سَمِعت الله - تَعَالَى - يَقُول: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ فارعه سَمعك، فَإِنَّهُ خير تُؤمر بِهِ أَو سوء تنْهى عَنهُ.
وَقَوله: ﴿أَوْفوا بِالْعُقُودِ﴾ يُقَال: " أوفى " و " وفى " بِمَعْنى وَاحِد، وَأما الْعُقُود: قَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة الْوَالِبِي، عَن ابْن عَبَّاس أَنه قَالَ: أَرَادَ بِالْعُقُودِ: مَا أحل الله وَحرم، وَفرض وحد.
وَقَالَ مُجَاهِد: أَرَادَ بِالْعُقُودِ: العهود، وَقيل الْفرق بَين العقد والعهد: أَن الْعَهْد: هُوَ الْأَمر بالشَّيْء، وَيُقَال: عهِدت إِلَى فلَان كَذَا، أَي: أَمرته بِهِ، وَالْعقد: هُوَ الْأَمر مَعَ الإستيثاق، وَيدخل فِي الْعُقُود النذور، وَسَائِر الْعُقُود اللَّازِمَة يجب الْوَفَاء بِكُل إِلَّا