فَاسِقُونَ (٥٩) قل هَل أنبئكم بشر من ذَلِك مثوبة عِنْد الله من لَعنه الله وَغَضب عَلَيْهِ وَجعل مِنْهُم القردة والخنازير وَعبد الطاغوت أُولَئِكَ شَرّ مَكَانا وأضل عَن سَوَاء السَّبِيل (٦٠) وَإِذا جاءوكم قَالُوا آمنا وَقد دخلُوا بالْكفْر وهم قد خَرجُوا بِهِ وَالله أعلم بِمَا كَانُوا يكتمون (٦١) وَترى كثيرا مِنْهُم يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم والعدوان وأكلهم السُّحت لبئس مَا كَانُوا يعْملُونَ (٦٢) لَوْلَا ينهاهم الربانيون والأحبار عَن قَوْلهم الْإِثْم وأكلهم السُّحت لبئس مَا كَانُوا يصنعون (٦٣) وَقَالَت الْيَهُود يَد الله مغلولة غلت أَيْديهم) أَي: كأعبد، وَقيل: هَذَا خطأ من حَمْزَة، وَالْأول أصح، وَيقْرَأ فِي الشواذ: " وَعباد الطاغوت " وَيقْرَأ: " وَعَبدَة الطاغوت " وَتَقْدِيره: وَجعل مِنْهُم عباد الطاغوت، وَالْكل فِي الْمَعْنى سَوَاء.
﴿أُولَئِكَ شَرّ مَكَانا وأضل عَن سَوَاء السَّبِيل﴾ أَي: عَن طَرِيق الْحق.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَإِذا جاءوكم قَالُوا آمنا﴾ قيل: نزلت الْآيَة فِي قوم من الْيَهُود، دخلُوا على النَّبِي، وَقَالُوا: إِنَّا آمنا بك، وَصَدَّقنَاك فِيمَا قلت، وهم يسرون الْكفْر؛ فَنزلت الْآيَة ﴿وَإِذا جاؤكم﴾ يَعْنِي: أُولَئِكَ قَالُوا: آمنا ﴿وَقد دخلُوا بالْكفْر وهم قد خَرجُوا بِهِ﴾ يَعْنِي: دخلُوا كَافِرين، وَخَرجُوا كَافِرين ﴿وَالله أعلم بِمَا كَانُوا يكتمون﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَترى كثيرا مِنْهُم يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْم والعدوان﴾ قيل: الْإِثْم: الْمعاصِي، والعدوان: الظُّلم، وَقيل: الْإِثْم: كتمان أَمر مُحَمَّد وَمَا كتموا من التَّوْرَاة، والعدوان مَا زادوا فِي التوارة. ﴿وأكلهم السُّحت﴾ قد بَينا معنى السُّحت، والسحت لُغَتَانِ، وَقيل: أَرَادَ بِهِ أكلهم الرِّبَا ﴿لبئس مَا كَانُوا يعْملُونَ﴾.
قَوْله: ﴿لَوْلَا ينهاهم الربانيون والأحبار عَن قَوْلهم الْإِثْم وأكلهم السُّحت﴾ يَعْنِي: هلا ينهاهم الربانيون، وَقد ذكرنَا معنى الربانيين، وَقيل: هُوَ مَنْسُوب إِلَى الرب، كالبحراني مَنْسُوب إِلَى الْبَحْرين، والنجراني مَنْسُوب إِلَى نَجْرَان ﴿لبئس مَا كَانُوا يصنعون﴾ وَفِي حرف ابْن مَسْعُود: " يعْملُونَ " وَكِلَاهُمَا وَاحِد.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَقَالَت الْيَهُود يَد الله مغلولة﴾ سَبَب هَذَا: أَن الْيَهُود كَانُوا فِي خصب وسعة رزق قبل هِجْرَة النَّبِي، فَلَمَّا هَاجر إِلَى الْمَدِينَة، ضيق الله الرزق عَلَيْهِم فَقَالَت الْيَهُود: يَد الله مغلولة: أَي ممسكة لَا ينْفق، كَأَنَّهُمْ نسبوه إِلَى الْبُخْل،