﴿عِيسَى ابْن مَرْيَم أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يكون لي أَن أَقُول مَا لَيْسَ لي بِحَق إِن كنت قلته فقد عَلمته تعلم مَا فِي نَفسِي وَلَا أعلم﴾ الْأَغْنِيَاء؛ ابْتَلَاهُم؛ فَأكل الْأَغْنِيَاء وخالفوا، فَأَصْبحُوا خنازير.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَإِذ قَالَ الله يَا عِيسَى ابْن مَرْيَم﴾ اخْتلفُوا فِي أَن هَذَا القَوْل مَتى يكون؟ قَالَ السّديّ: إِنَّمَا قَالَ الله - تَعَالَى - ذَلِك حِين رَفعه إِلَى السَّمَاء؛ لِأَن قَوْله: " إِذْ للماضي، وَالصَّحِيح أَنه يكون فِي الْقِيَامَة، وَالْقِيَامَة وَإِن لم تكن بعد، وَلكنهَا فِي علم الله، فَلَمَّا كَانَت كائنة لَا محَالة فَهِيَ كالكائنة؛ فصح قَوْله: ﴿وَإِذ قَالَ الله﴾ وَقيل: إِذا بِمَعْنى إِذْ وَيجوز مثل ذَلِك قَالَ الشَّاعِر:
(لم يجزه بِهِ الْإِلَه إِذْ جزا... جنَّات عدن فِي السَّمَوَات الْعلَا)
يَعْنِي: إِذا جزى ﴿أَأَنْت قلت للنَّاس اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله﴾ قيل: هَذَا سُؤال توبيخ وَالْمرَاد بِهِ: قومه، وَكَانَت الْحِكْمَة فِي سُؤَاله عَنهُ؛ حَتَّى يسمع قومه إِنْكَاره؛ لأَنهم كَانُوا يدعونَ أَن عِيسَى أَمرهم (باتخاذه إِلَهًا) ؛ فَإِن قَالَ قَائِل: هم لم يتخذوا أمه إِلَيْهَا؛ فَمَا معنى قَوْله: ﴿اتخذوني وَأمي إِلَهَيْنِ من دون الله﴾ ؟ قيل: إِنَّه - جلّ وَعز - لما أَرَادَ ذكر عِيسَى مَعَ أمه، قَالَ: إِلَهَيْنِ، وَهَذَا كَمَا يُقَال عِنْد ذكر أبي بكر وَعمر مَعًا: عمرَان، وَقَالُوا: هَذَا سنة عمرين، وَيُقَال للشمس وَالْقَمَر: قمران، قَالَ الفرزدق:
(لنا قمراها والنجوم طوالع... )
يَعْنِي: الشَّمْس وَالْقَمَر، وَقيل: إِن عِيسَى كَانَ بَعْضًا لِمَرْيَم، فَلَمَّا اتخذوه إِلَهًا؛ فكأنهم اتَّخذُوا أمه إِلَهًا؛ فَقَالَ: ﴿إِلَهَيْنِ من دون الله﴾ ﴿قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يكون لي أَن أَقُول مَا لَيْسَ لي بِحَق إِن كنت قلته فقد عَلمته﴾ اشْتغل أَولا بالثناء عَلَيْهِ والتنزيه، وَنسبه إِلَى الْقُدس وَالطَّهَارَة ﴿تعلم مَا فِي نَفسِي وَلَا أعلم مَا فِي نَفسك﴾ قَالَ


الصفحة التالية
Icon