﴿كل مَكَان وَمَا هُوَ بميت وَمن وَرَائه عَذَاب غليظ (١٧) مثل الَّذين كفرُوا برَبهمْ أَعْمَالهم كرماد اشتدت بِهِ الرّيح فِي يَوْم عَاصِم لَا يقدرُونَ مِمَّا كسبوا على شَيْء ذَلِك هُوَ الضلال الْبعيد (١٨) ألم تَرَ أَن الله خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ إِن يَشَأْ يذهبكم﴾ تَعَالَى: ﴿لَا يَمُوت فِيهَا وَلَا يحيى﴾. وَقَوله: ﴿وَمن وَرَائه عَذَاب غليظ﴾ أَي: شَدِيد، وَالْعَذَاب الغليظ هُوَ الخلود فِي النَّار.
قَوْله تَعَالَى: ﴿مثل الَّذين كفرُوا برَبهمْ أَعْمَالهم﴾ وَمَوْضِع الْمثل فِي قَوْله: ﴿كرماد اشتدت بِهِ الرّيح﴾ يَعْنِي: ذهبت الرّيح المشتدة بِهِ.
وَقَوله: ﴿فِي يَوْم عاصف﴾ فِيهِ مَعْنيانِ.
أَحدهمَا: أَنه وصف الْيَوْم بالعاصف؛ لِأَن فِيهِ العصوف، كَمَا يُقَال: يَوْم حَار وَيَوْم بَارِد، أَي: فِيهِ الْحر وَالْبرد، قَالَ الشَّاعِر:
(يَوْمَيْنِ غيمين وَيَوْما شمسا... )
وَالْمعْنَى الثَّانِي: فِي يَوْم عاصف أَي: فِي يَوْم عاصف الرّيح، قَالَ الشَّاعِر:
(ويضحك عرفان الدروع جلودنا... إِذا جَاءَ يَوْم مظلم الشَّمْس (كاسف))
أَي: كاسف الشَّمْس.
وَقَوله ﴿لَا يقدرُونَ مِمَّا كسبوا على شَيْء﴾ لِأَن أَعْمَالهم قد ذهبت وَبَطلَت كالرماد الَّذِي ذهبت بِهِ الرّيح العاصف.
وَقَوله: ﴿ذَلِك هُوَ الضلال الْبعيد﴾ الْخَطَأ الطَّوِيل.
قَوْله تَعَالَى: ﴿ألم تَرَ أَن الله خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ﴾ معنى خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض بِالْحَقِّ: مَا نصب فِيهَا من الدَّلَائِل على وحدانيته وَسَائِر صِفَاته.
وَقَوله: ﴿إِن يَشَأْ يذهبكم﴾ يَعْنِي: إِن يَشَأْ يهلككم. ﴿وَيَأْتِ بِخلق جَدِيد﴾ أَي: بِقوم آخَرين، وَهُوَ فِي معنى قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يسْتَبْدل قوما غَيْركُمْ﴾.


الصفحة التالية
Icon